ذلك (١) ، ويؤيّد هذا القول ما ذكره بعد في قوله : (وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) [آل عمران : ١١٩] وهذه صفة المنافقين.
وقيل : أراد جميع الكفار.
والعنت : شدة الضرر والمشقة ، قال تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ) [البقرة : ٢٢٠] ، وقد تقدم اشتقاقه.
قوله : (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) هذه العلة الثانية ، وفي هذه الجملة ثلاثة أوجه :
أحدها : وهو الأظهر ـ أن تكون مستأنفة ، لا محل لها من الإعراب ـ كما هو الظاهر في التي قبلها.
والثاني : أنها نعت ل «بطانة» فمحلّها نصب.
قال الواحدي : «ولا يصح هذا ؛ لأن البطانة قد وصفت بقوله : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) ، ولو كان هذا صفة ـ أيضا ـ ، لوجب إدخال حرف العطف بينهما».
والثالث : أنها حال من الضمير في «يألونكم» ، و «ما» مصدرية ، و «عنتّم» صلتها ، وهي وصلتها مفعول الودادة ، أي : عنتكم ، أي : مقتكم.
وقال الراغب : «المعاندة ، والمعانتة ، يتقاربان ، لكن المعاندة هي الممانعة ، والمعانتة : أن يتحرى مع الممانعة المشقة».
والفرق بين قوله : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً ،) وقوله : (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ ،) في المعنى من وجوه :
الأول : لا يقصرون في إفساد دينكم ، فإن عجزوا عنه ، ودّوا إلقاءكم في أشد أنواع الضرر.
الثاني : لا يقصرون عن إفساد أموركم ، فإن لم يفعلوا ذلك ؛ لمانع ، فحبّه في قلوبهم.
الثالث : لا يقصرون في إفساد أموركم في الدنيا ، فإن عجزوا عنه لمانع لم يزل عن قلوبهم حب إعناتكم.
قال القرطبيّ : «وقد انقلبت هذه الأحوال في هذه الأزمان باتخاذ أهل الكتاب كتبة وأمناء ، وتسوّدوا بذلك عند الجهلة الأغبياء من الولاة والأمراء».
وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما بعث الله من نبيّ ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٤١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١١٨) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد.
وذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٣ / ٤١) من قول ابن عباس وقتادة والسدي والربيع بن أنس.