ينفعه جده وحظه من الدنيا بدلا ، أي : بدل طاعتك وما عندك ، وفي معناه قوله تعالى : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) [سبأ : ٣٧] ، وهذا الذي ذكره من كونها بمعنى بدل جمهور النحاة يأباه ؛ فإن عامة ما أورده يتأوّله الجمهور.
ومنه قوله : [الرجز :]
١٣٤٥ ـ جارية لم تأكل المرقّقا |
|
ولم تذق من البقول الفستقا (١) |
وقول الآخر : [الكامل]
١٣٤٦ ـ أخذوا المخاض من الفصيل غلبّة |
|
ظلما ، ويكتب للأمير أفيلا (٢) |
وقوله تعالى : (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) [الزخرف : ٦٠] ، وقوله : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) [التوبة : ٣٨]؟
الرابع : أنها تبعيضية ، إلا أن هذا الوجه لما أجازه أبو حيّان مبنيا على إعراب «شيئا» مفعولا به ، بمعنى : لا تدفع ، ولا تمنع ، قال : فعلى هذا يجوز أن يكون «من» في موضع الحال من «شيئا» ؛ لأنه لو تأخر لكان في موضع النعت له ، فلما تقدم انتصب على الحال ، وتكون «من» إذ ذاك ـ للتبعيض.
قال شهاب الدين (٣) : «وهذا ينبغي أن لا يجوز ألبتة ؛ لأن «من» التبعيضية تؤوّل بلفظ بعض مضافة لما جرّته «من» ألا ترى أنك إذا قلت : رأيت رجلا من بني تميم ، معناه : بعض بني تميم ، وأخذت من الدراهم : أي : بعض الدراهم ، وهنا لا يتصوّر ذلك أصلا ، وإنما يصح جعله صفة ل «شيئا» إذا جعلنا «من» لابتداء الغاية ، كقولك : عندي درهم من زيد ، أي : كائن أو مستقر من زيد ، ويمتنع فيها التبعيض ، والحال كالصفة في المعنى ، فامتنع أن تكون من للتبعيض مع جعله «من الله» حالا من «شيئا» ، وأبو حيّان تبع أبا البقاء في ذلك ، إلا أن أبا البقاء حين قال ذلك ـ قدّر مضافا وضّح به قوله ، والتقدير : شيئا من عذاب الله ، فكان ينبغي أن يتبعه ـ في هذا الوجه ـ مصرّحا بما يدفع هذا الذي ذكرته». و «شيئا» إما منصوب على المفعول به وقد تقدم تأويله وإما على المصدرية ، أي : شيئا من الإغناء.
قوله : (وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) هذه الجملة تحتمل وجهين :
__________________
(١) البيت لأبي نخيلة يعمر ينظر المخصص ١١ / ١٣٩ والجنى الداني (٣١٦) والمغني ١ / ٣٢٠ والعمدة ٢ / ٢٤١ واللسان (بقل) وابن عقيل ص ٩٩ والمزهر ٢ / ٥٠٣ وشرح شواهد ابن عقيل ص ١٤٦ والدر المصون ٢ / ٢٠.
(٢) البيت للراعي النميري ينظر ديوانه ص ٢٤٢ ، وتذكرة النحاة ص ٣١١ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٦٠٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٣٦ ، وجواهر الأدب ص ٢٧٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٨٨ ، وشرح المفصل ٦ / ٤٤ ، ومغني اللبيب ١ / ٣٢٠ ، والدر المصون ٢ / ٢٠.
(٣) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢٠.