و «تبوىء» أي تنزل ، فهو يتعدى لمفعولين ، إلى أحدهما بنفسه ، وإلى الآخر بحرف الجر ، وقد يحذف ـ كهذه الآية ـ ومن عدم الحذف قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) وأصله من المباءة ـ وهي المرجع ـ.
قال الشاعر : [الطويل]
١٦٠٦ ـ وما بوّأ الرّحمن بيتك منزلا |
|
بشرقيّ أجياد الصّفا والمحرّم (١) |
وقال آخر : [مجزوء الكامل]
١٦٠٧ ـ كم صاحب لي صالح |
|
بوّأته بيديّ لحدا (٢) |
وقد تقدم اشتقاقه.
وقيل : اللام في قوله «لإبراهيم» مزيدة ، فعلى هذا يكون متعديا لاثنين بنفسه.
و «مقاعد» جمع مقعد ، والمراد به ـ هنا ـ مكان القعود ، و «قعد» قد يكون بمعنى : «صار» في المثل خاصة.
قال الزمخشري : «وقد اتّسع في قام ، وقعد ، حتى أجريا مجرى صار».
قال أبو حيان : أما إجراء قعد مجرى صار ، فقال بعض أصحابنا : إنما جاء ذلك في لفظة واحدة شاذة في المثل قولهم : شحذ شفرته حتّى قعدت كأنّها حربة ، ولذلك نقد على الزمخشري تخريجه قوله تعالى : (فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً) [الإسراء : ٢٢] بمعنى تصير ؛ لأنه لا يطّرد إجراء قعد مجرى صار.
قال شهاب الدين (٣) : «وهذا ـ الذي ذكره الزمخشري ـ صحيح ، من كون قعد بمعنى : صار في غير ما أشار إليه هذا القائل ؛ حكى أبو عمر الزاهد ـ عن ابن الأعرابي ـ أن العرب تقول : قعد فلان أميرا بعد أن كان مأمورا ، أي : صار».
ثم قال أبو حيان : وأما إجراء قام مجرى صار ، فلا أعلم أحدا عدّها في أخوات «كان» ، ولا جعلها بمعنى «صار» إلا ابن هشام الخضراوي ، فإنه ذكر ـ في قول الشاعر : [الوافر]
__________________
(١) البيت للأعشى وله روايات متعددة ـ فرواية الديوان :
وما جعل الرحمن بيتك في العلى |
|
بأجياد غربيّ الصفا والمحرم |
ورواية اللسان :
وما جعل الرحمن بيتك في الذرى |
|
بأجياد غربيّ الصفا والمحطم |
ينظر ديوانه ١٢٣ واللسان (جيد) والبحر ٣ / ٤٩ والدر المصون ٢ / ٢٠٢.
(٢) البيت لعمرو بن معديكرب ينظر الحماسة ١ / ١٠٥ والخزانة ١١ / ٢١٩ والكشاف ٤ / ٧ ، ورغبة الآمل ٨ / ١٤٧ والبحر المحيط ٣ / ٤٨ ، والدر المصون ٢ / ٢٠٢.
(٣) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢٠٢.