الرابع : أن الناصب له «عليم» ـ وحده ـ ذكره أبو البقاء.
الخامس : أن العامل فيه إما «سميع» ، وإما «عليم» على سبيل التنازع ، وتكون المسألة ـ حينئذ ـ من إعمال الثاني ، إذ لو أعمل الأول ، لأضمر في الثاني.
قال الزمخشري : أو عمل فيه معنى : (سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
قال أبو حيان : «وهذا غير محرّر ؛ لأن العامل لا يكون مركبا من وصفين ، فتحريره أن يقال : عمل فيه معنى سميع : أو عليم ، وتكون المسألة من التنازع».
قال شهاب الدين : «لم يرد الزمخشري بذلك إلا ما ذكرناه من إرادة التنازع ، ويصدق أن يقول : عمل فيه هذا وهذا بالمعنى المذكور ؛ لا أنهما عملا فيه معا ، على أنه لو قيل به لم يكن مبتدعا قولا ؛ إذ الفراء يرى ذلك ، ويقول ـ في نحو : ضربت وأكرمت زيدا : إن زيدا منصوب بهما ، وإنهما سلّطا عليه معا».
فإن قيل : إذا كان الهمّ العزم فظاهر الآية يدل على أن الطائفتين عزمتا على الفشل ، والترك ـ وذلك معصية ـ فكيف يليق أن يقال : (وَاللهُ وَلِيُّهُما)؟
فالجواب : أن الهمّ قد يراد به الكفر ، وقد يراد به : حديث النفس ، وقد يراد به : ما يظهر من القول الدالّ على قوة العدو وكثرة عدده ، وأيّ شيء ظهر من هذا الجنس صح أن يوصف صاحبه بأنه همّ أن يفشل ، من حيث ظهر منه ما يوجب ضعف القلب ، وإذا كان كذلك ، فلا يدل على أن المعصية وقعت منهما ، وبتقدير أن يقال ذلك ، فيكون من باب الصغائر ؛ لقوله : (وَاللهُ وَلِيُّهُما).
وقيل : الهمّ دون العزّم ، وذلك أن أول ما يمر بقلب الإنسان يسمّى : خاطرا ، فإذا قوي سمّي : حديث نفس ، فإذا قوي سمّي : همّا ، فإذا قوي سمّي : عزما ، ثم بعده إما قول ، أو فعل.
وبعضهم يعبّر بالهم عن الإرادة ، تقول العرب : هممت بكذا ، أهم به ـ بضم الهاء ـ ويقال : همت ـ بميم واحدة ـ حذفوا إحدى الميمين تخفيفا ، كما قالوا : مست وظلت ، وحست ـ في مسست وظللت وحسست ـ وهو غير مقيس.
والهم ـ أيضا ـ : الحزن الذي يذيب صاحبه ، وهو مأخوذ من قولهم : همت الشحم ـ أي : أذبته ، والهم الذي في النفس قريب منه ، لأنه قد يؤثر في نفس الإنسان ، كما يؤثر الحزن.
ولذلك قال الشاعر : [الطويل]
١٦٠٩ ـ وهمّك ما لم تمضه لك منصب (١)
__________________
(١) ينظر الشطر في المفردات في غريب القرآن ص ٥٤٣ والدر المصون ٢ / ٢٠٣.