[آل عمران : ١٢٠] ، وقوله : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران : ١٢٢].
الثاني : أنه ـ تعالى ـ حكى عن الطائفتين أنهما همتا بالفشل ، ثم قال : (وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
يعني : من كان الله ناصرا له ومعينا له فكيف يليق به الفشل؟ ثم أكّد ذلك بقصة بدر ؛ فإن المسلمين كانوا في غاية الضعف ، ولكن لمّا كان الله تعالى ناصرا لهم ، فازوا بمطلوبهم ، وقهروا خصومهم ، فهذا وجه النظم. والنصر : العون ، نصرهم الله يوم بدر ، وقتل فيه صناديد المشركين ، وعلى ذلك اليوم ابتني الإسلام ، وكان أول قتال قاتله النبي صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (بِبَدْرٍ) متعلق ب (نَصَرَكُمُ ،) وفي الباء ـ حينئذ ـ قولان :
أحدهما : ـ وهو الأظهر ـ : أنها ظرفية ، أي : في بدر ، كقولك : زيد بمكة ، أي : في مكة.
الثاني : أن تتعلق بمحذوف على أنها باء المصاحبة ، فمحلّها النصب على الحال ، أي : مصاحبين لبدر ، و «بدر» : اسم لماء بين مكة والمدينة ، سمّي بذلك لصفائه كالبدر.
وقيل : لاستدراته وقيل : اسم بئر لرجل يقال له : بدر ، وهو بدر بن كلدة ، قاله الشعبي ، وأنكر عليه بذكر الله ـ تعالى ـ منّته عليهم بالنّصرة يوم بدر وقيل : إنه اسم للبئر كما يسمى البلد باسم من غير أن ينقل إليه اسم صاحبه. قاله الواقدي وشيوخه.
وقيل : اسم واد ، وكان يوم بدر السابع عشر من رمضان وكان يوم الجمعة ، لثمانية وعشرين شهرا من الهجرة.
قوله : (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) في محل نصب على الحال من مفعول : (نَصَرَكُمُ) و (أَذِلَّةٌ) جمع ذليل وهو جمع قلة ؛ إشعارا بقلتهم مع هذه الصفة ، و «فعيل» الوصف ـ قياس جمعه على فعلاء ، كظريف وظرفاء ، وشريف وشرفاء ، إلا أنه ترك في المضعّف ؛ تخفيفا ألا ترى إلى ما يؤدي إليه جمع ذليل وخليل على ذللاء وخللاء من الثقل؟
فإن قيل : قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون : ٨] فما معنى قوله : (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ؟) فالجواب من وجوه :
الأول : أنه بمعنى : القلة وضعف الحال ، وقلة السلاح والمال ، وعدم القدرة على مقاومة العدو ، وأن نقيضه العز ، وهو القوة والغلبة.
روي أن المسلمين كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، ولم يكن فيهم إلا فرس واحد ، وأكثرهم رجّالة ، وربما كان الجمع منهم يركبون جملا واحدا ، والكفار كانوا قريبين من ألف مقاتل ، ومعهم مائة فرس ، مع الأسلحة الكثيرة ، والعدّة الكاملة.
قال القرطبيّ : واسم الذل في هذا الموضع مستعار ، ولم يكونوا في أنفسهم إلا