آلاف من الملائكة ؛ ليصير عدد الكفار مقابلا لعدد الملائكة ، مع زيادة عدد المسلمين ، فيصير ذلك دليلا على أن المسلمين يهزمونهم ، كما هزموهم يوم بدر ، ثم جعل الثلاثة آلاف خمسة آلاف لتزداد قوة المسلمين في هذا اليوم ويزول الخوف عن قلوبهم (١).
وثالثها : أنه قال في هذه الآية : (وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ).
والمراد : ويأتيكم أعداؤكم من فورهم ، ويوم أحد هذا اليوم الذي كان يأتيهم الأعداء ، فأما يوم بدر ، فإنهم لم يأتوهم ، بل هم ذهبوا إلى الأعداء (٢).
فإن قيل : إنه صلىاللهعليهوسلم وعدهم بخمسة آلاف يوم أحد ، فحصول الإمداد بثلاثة آلاف يلزم منه الخلف في الوعد؟
فالجواب من وجهين :
الأول : أن إنزال الآلاف الخمسة ، كان مشروطا بأن يصبروا ، ويتّقوا في المغانم ، فخالفوا أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم فلما فات الشرط ، فات المشروط ، وأمّا إنزال الآلاف الثلاثة ، فقد وعد المؤمنين بها حين بوّأهم مقاعد القتال.
الثاني : أنا لا نسلم أنّ الملائكة ما نزلت.
روى الواقدي عن مجاهد قال : حضرت الملائكة يوم أحد ، ولكنهم لم يقاتلوا (٣) ، وروي أن الرسول صلىاللهعليهوسلم أعطى اللواء مصعب بن عمير ، فقتل مصعب ، فأخذه ملك في صورة مصعب ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : تقدم يا مصعب ، فقال الملك : لست بمصعب ، فعرف الرسول صلىاللهعليهوسلم أنه ملك أمدّ به (٤).
وعن سعد بن أبي وقاص أنه قال : كنت أرمي السهم يومئذ ، فيرد علي رجل أبيض ، حسن الوجه ، وما كنت أعرفه ، وظننت أنه ملك (٥).
فعلى هذا القول يكون قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) معترضا بين الكلامين.
وقال قتادة : أمدّهم الله يوم بدر بألف من الملائكة ، على ما قال : (فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) [الأنفال : ٩] ، ثم صاروا ثلاثة آلاف ، ثم صاروا خمسة آلاف ، كما قال هاهنا : (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ) [آل عمران : ١٢٥] ، فصبروا يوم بدر واتقوا ، فأمدهم الله بخمسة آلاف كما وعد ، ويدل على ذلك أنّ قلة العدد والعدد كانت يوم بدر أكثر ، فكان الاحتياج إلى المدد يقوي القلب
__________________
(١) انظر المصدر السابق.
(٢) انظر المصدر السابق.
(٣) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٨ / ١٨٤) عن مجاهد.
(٤) ذكره القاضي عياض في «الشفا في أحوال المصطفى» رقم (٧١٢٨).
(٥) ينظر : «تفسير الفخر الرازي» (٨ / ١٨٤).