فإن قيل : قال الله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) [الذاريات : ٢٢] ، وأراد بالذي وعدنا الجنة ، وإذا كانت الجنة في السماء ، فكيف يكون عرضها السموات والأرض.
فالجواب : أن باب الجنة في السماء ، وعرضها كما أخبر.
وقيل : إن الجنة والنار تخلقان بعد قيام الساعة ، فعلى هذا لا يبعد أن تخلق الجنة في مكان السموات ، والنار في مكان الأرض.
قوله : (أُعِدَّتْ) يجوز أن يكون محلها الجرّ ، صفة ثانية ل «جنّة» ، ويجوز أن يكون محلها النصب على الحال من «جنّة» ؛ لأنها لما وصفت تخصّصت ، فقربت من المعارف.
قال أبو حيان : «ويجوز أن يكون مستأنفا ، ولا يجوز أن يكون حالا من المضاف إليه ؛ لثلاثة أشياء :
أحدها : أنه لا عامل ، وما جاء من ذلك متأوّل على ضعفه.
والثاني : أن العرض ـ هنا ـ لا يراد به : المصدر الحقيقي ، بل يراد به : المسافة.
الثالث : أن ذلك يلزم منه الفصل بين الحال ، وصاحبه بالخبر».
يعني بالخبر : قوله : (السَّماواتُ ،) وهو ردّ صحيح.
وظاهر الآية يدل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن ، وهو نص حديث الإسراء في الصحيحين وغيرهما.
وقالت المعتزلة : إن الجنة والنار غير مخلوقتين في وقتنا هذا ، وإن الله تعالى إذا طوى السماوات والأرض ابتدأ خلق الجنة والنار حيث شاء ؛ لأنهما دار جزاء بالثواب والعقاب ، فخلقتا في وقت الجزاء ؛ لأنه لا يجتمع دار التكليف ، ودار الجزاء في الدنيا ، كما لم يجتمعا في الآخرة.
وقال ابن فورك : «الجنة في السماء ، ويزاد فيها يوم القيامة».
قوله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) يجوز في محله الألقاب الثلاثة ، فالجر على النعت ، أو البدل ، أو البيان ، والنصب والرفع على القطع المشعر بالمدح ، ولما أخبر بأن الجنة معدّة للمتقين وصفهم بصفات ثلاث ، حتى يقتدى بهم في تلك الصفات :
فالصفة الأولى : قوله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ).
فقيل : معناه : في العسر واليسر (١).
وقيل : سواء كانوا في سرور ، أو حزن ، أو في عسر ، أو في يسر.
وقيل : سواء سرهم ذلك الإنفاق ـ بأن كان على وفق طبعهم ـ أو ساءهم ـ بأن كان على خلاف طبعهم ـ فإنهم لا يتركونه.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢١٤) عن ابن عباس.