يوم أحد فقد مسّهم قرح مثله يوم بدر (١) ، وهو كقوله تعالى : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) [آل عمران : ١٦٥].
وقيل : إن الكفار قد نالهم يوم أحد مثل ما نالكم من الجرح ، والقتل ؛ لأنه قتل منهم نيف وعشرون رجلا ، وقتل صاحب لوائهم ، والجراحات كثرت فيهم ، وعقر عامة خيلهم بالنبل ، وكانت الهزيمة عليهم في أول النهار (٢).
فإن قيل : كيف قال : (قَرْحٌ مِثْلُهُ ،) وما كان قرحهم يوم أحد مثل قرح المشركين.
فالجواب : أن تفسير القرح ـ في هذا التأويل ـ بمجرد الانهزام ، لا بكثرة القتلى.
قوله : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) يجوز في «الأيّام» أن تكون خبرا ل «تلك» و «نداولها» جملة حالية ، العامل فيها معنى اسم الإشارة ، أي : أشير إليها حال كونها مداولة ، ويجوز أن تكون «الأيّام» بدلا ، أو عطف بيان ، أو نعتا لاسم الإشارة ، والخبر هو الجملة من قوله : (نُداوِلُها) وقد مر نحوه في قوله : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها) [آل عمران : ١٠٨] إلا أن هناك لا يجيء القول بالنعت ؛ لما عرفت أنّ اسم الإشارة لا ينعت إلا بذي أل و «بين» متعلق ب «نداولها» ، وجوّز أبو البقاء أن يكون حالا من مفعول «نداولها» وليس بشيء.
والمداولة : المناوبة على الشيء ، والمعاودة ، وتعهّده مرة بعد أخرى ، يقال : داولت بينهم الشيء فتداولوه ، كأن «فاعل» بمعنى : «فعل».
قال الشاعر : [الكامل]
١٦٣٢ ـ ترد المياه ، فلا تزال تداولا |
|
في النّاس بين تمثّل وسماع (٣) |
وأدال فلان فلانا : جعل له دولة.
وقال القفّال : المداولة : نقل الشيء من واحد إلى آخر ، يقال : تداولته الأيدي ـ إذا تناولته ومنه قوله تعالى : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) [الحشر : ٧] أي : تتداولونها ، ولا تجعلون للفقراء منها نصيبا ، ويقال : الدّنيا دول ، أي : تنتقل من قوم إلى آخرين.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٣٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٤١) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن الحسن.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٤١) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.
وذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٣ / ٦٨) عن ابن عباس والحسن.
(٣) البيت لزهير بن علس ـ ينظر شواهد الكشاف ٤ / ٣٩ ومجمع الأمثال ٢ / ١٤٣ والبحر ٣ / ٦١ والمفضليات ص ٢ والدر المصون ٢ / ٢١٦.