الخبر بأنك قتلت فرعبت قلوبنا ، فولّينا مدبرين ، فأنزل الله قوله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)(١).
قوله : (أَفَإِنْ ماتَ) الهمزة لاستفهام الإنكار ، والفاء للعطف ، ورتبتها التقديم ؛ لأنها حرف عطف ، وإنما قدّمت الهمزة ؛ لأن لها صدر الكلام ، وقد تقدم تحقيقه وأن الزمخشري يقدّر بينهما فعلا محذوفا تعطف الفاء عليه ما بعدها.
قال ابن الخطيب كمال الدّين الزّملكانيّ : «الأوجه : أن يقدر محذوف بعد الهمزة ، وقبل الفاء ، تكون الفاء عاطفة عليه ، ولو صرّح به لقيل : أتؤمنون به مدة حياته فإن مات ارتددتم ، فتخالفوا سنن أتباع الأنبياء قبلكم في ثباتهم على ملل أنبيائهم بعد وفاتهم.
وهذا هو مذهب الزّمخشريّ ، إلا أنّ الزمخشريّ ـ هنا ـ عبر بعبارة لا تقتضي مذهبه الذي هو حذف جملة بعد الهمزة ؛ فإنه قال : الفاء معلقة للجملة الشرطية بالجملة قبلها على معنى «التسبيب» ، والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلوّ الرّسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد هلاكه ـ بموت أو قتل ـ مع علمهم أن خلوّ الرّسل قبله ، وبقاء دينهم متمسكا به يجب أن يجعل سببا للتمسّك بدين محمد صلىاللهعليهوسلم لا للانقلاب عنه».
فظاهر هذا الكلام أن الفاء عطفت هذه الجملة المشتملة على الإنكار على ما قبلها من قوله : (قَدْ خَلَتْ) من غير تقدير جملة أخرى.
وقال أبو البقاء قريبا من هذا ؛ فإنه قال : «الهمزة عند سيبويه في موضعها ، والفاء تدل على تعلّق الشرط بما قبله».
لا يقال : إنه جعل الهمزة في موضعها ، فيوهم هذا أن الفاء ليست مقدمة عليها ؛ لأنه جعل هذا مقابلا لمذهب يونس ؛ فإن يونس يزعم أن هذه الهمزة ـ في مثل هذا التركيب ـ داخلة على جواب الشرط ، فهي في مذهبه في غير موضعها وسيأتي تحريره.
و «إن» شرطية ، و «مات» و «انقلبتم» شرط وجزاء ، ودخول الهمزة على أداة الشرط لا يغيّر سببا من حكمها.
وزعم يونس أن الفعل الثاني ـ الذي هو جزاء الشرط ـ ليس هو جزاء للشرط ، وإنما هو المستفهم عنه ، وأن الهمزة داخلة عليه تقديرا ، فينوى به التقرير ، وحينئذ لا يكون جوابا ، بل الجواب محذوف ، ولا بد ـ إذ ذاك ـ من أن يكون فعل الشرط ماضيا ، إذ لا يحذف الجواب إلا والشرط ماض ، ولا اعتبار بالشعر ؛ فإنه ضرورة ، فلا يجوز عنده أن تقول : إن تكرمني أكرمك ولا يجزمهما ، ولا بجزم الأول ورفع الثاني ، لأن الشرط مضارع. ولا أإن أكرمتني أكرمك ـ بجزم أكرمك ؛ لأنه ليس الجواب ، بل دال عليه ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦) عن السدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٤٤) وعزاه للطبري وحده.