والنية به التقديم ، فإن رفعت «أكرمك» وقلت : أإن أكرمتني أكرمك ، صح عنده.
فالتقدير عند يونس : أانقلبتم على أعقابكم إن مات محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن الغرض إنكار انقلابهم على أعقابهم بعد موته ، وبقول يونس قال كثير من المفسّرين ؛ فإنهم يقولون : ألف الاستفهام دخلت في غير موضعها ؛ لأن الغرض إنما هو أتنقلبون إن مات محمد؟
وقال أبو البقاء : «وقال يونس : الهمزة في مثل هذا حقها أن تدخل على جواب الشرط ، تقديره : أتنقلبون إن مات؟ لأن الغرض التنبيه ، أو التوبيخ على هذا الفعل المشروط».
ومذهب سيبويه الحقّ ؛ لوجهين :
أحدهما : أنك لو قدمت الجواب ، لم يكن للفاء وجه ؛ إذ لا يصح أن تقول : أتزورني فإن زرتك. ومنه قوله : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) [الأنبياء : ٣٤].
والثاني : أنّ الهمزة لها صدر الكلام ، و «إن» لها صدر الكلام ، وقد وقعا في موضعهما ، والمعنى يتم بدخول الهمزة على جملة الشرط والجواب ؛ لأنهما كالشيء الواحد.
وقد رد النحويون على يونس بقوله : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ)، فإنّ الفاء في قوله : «فهم» تعين أن يكون جوابا للشرط ، وأتى ـ هنا ـ ب «إن» التي تقتضي الشك ، والموت أمر محقق ، إلّا أنه أورده مورد المشكوك فيه ؛ للتردد بين الموت والقتل.
فإن قيل : إنه ـ تعالى ـ بيّن في آيات كثيرة أنه صلىاللهعليهوسلم لا يقتل ، قال : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠] وقال : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] وقال : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [التوبة : ٣٣] ، وإذا علم أنه لا يقتل ، فلم قال : (أو قتل)؟
فالجواب من وجوه :
أحدها : أن صدق القضية الشرطية لا تقتضي صدق جزأيها ؛ فإنك تقول : إن كانت الخمسة زوجا كانت مقسمة بمتساويين ، فالشرطية صادقة ، وجزآها كاذبان ، وقال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] فهذا حقّ ، مع أنه ليس فيهما آلهة ، وليس فيهما فساد.
الثاني : أن هذا ورد على سبيل الإلزام ؛ فإن موسى ـ عليهالسلام ـ مات ولم ترجع أمته عن دينه ، والنصارى زعموا أن عيسى قتل ، ولم يرجعوا عن دينه ، فكذا هنا.
وثالثها : أن الموت لا يوجب رجوع الأمة عن دينه ، فكذا القتل وجب ألا يوجب الرجوع عن دينه ، لأنه لا فارق بين الأمرين ، فلما رجع إلى هذا المعنى ، كان المقصود منه الرد على أولئك الذين شكوا في صحة الدين ، وهمّوا بالارتداد.
فإن قيل : قوله : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ) شكّ ، وهو ـ على الله تعالى ـ محال.