سبب من أسباب الهلاك إلا وقد حصل ، ولكن لما كان الله حافظه وناصره ما ضرّه شيء من ذلك ، وفيه تنبيه على أن الصحابة قصّروا في الذّبّ عنه.
ورابعها : أن المقصود منه الجواب عن كلام المنافقين للصحابة ، حين رجعوا وقد قتل منهم من قتل (لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) [آل عمران : ١٥٦] فأخبر ـ تعالى ـ أنّ الموت والقتل لا يكونان إلا بإذن الله.
قوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [آل عمران : ١٤٥] ، فليس في إرجاف من أرجف بموت النبي صلىاللهعليهوسلم ما يحقق ذلك فيه ، أو يعين في تقوية الكفر ، بل يبقيه الله إلى أن يظهر على الدّين كلّه.
فصل
قال القرطبي : «هذا حضّ على الجهاد ، وإعلام بأن الموت ، لا بد منه لكل إنسان وأن كل إنسان ـ مقتولا كان أو غير مقتول ـ ميّت إذا بلغ أجله المكتوب له ؛ لأن معنى (مُؤَجَّلاً) إلى أجل ، ومعنى (بِإِذْنِ اللهِ) : بقضاء الله وقدره». واختلفوا في الإذن.
قال أبو مسلم : هو الأمر ، أي أن الله ـ تعالى ـ يأمر ملك الموت بقبض الأرواح.
وقيل : المراد منه : التكوين والإيجاد ، لأنه لا يقدر على الإماتة والإحياء إلا الله تعالى.
وقيل : الإذن : هو التخلية والإطلاق ، وترك المنع بالقهر والإجبار ، كقوله تعالى : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ١٠٢] أي : بتخليته بينه وبين قاتله.
وقيل : الإذن بمعنى : العلم ، والمعنى : أن نفسا لن تموت إلّا في الوقت الذي علم الله ـ تعالى ـ موتها فيه.
وقال ابن عبّاس : الإذن : هو قضاء الله وقدره (١) ؛ فإنه لا يحدث شيء إلّا بمشيئته وإرادته ـ سبحانه وتعالى ـ.
قوله : (كِتاباً مُؤَجَّلاً) في نصبه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنه مصدر مؤكّد لمضمون الجملة التي قبله ، فعامله مضمر ، تقديره : كتب الله ذلك كتابا ، نحو قوله تعالى : (صُنْعَ اللهِ) [النمل : ٨٨] وقوله : (وَعْدَ اللهِ) [الروم : ٦] ، وقوله : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٤].
الثاني : أنه منصوب على التمييز ، ذكره ابن عطية ، وهذا غير مستقيم ؛ لأن التمييز منقول وغير منقول ، وأقسامه محصورة ، وليس هذا شيئا منها ، وأيضا فأين الذات المبهمة التي تحتاج إلى تفسير؟
__________________
(١) ذكره البغوي في تفسيره ١ / ٣٥٩.