تجاسر أبو سفيان على النزول من الجبل ، والذهاب إليهم.
والثاني : أن الكفار لما ذهبوا متوجهين إلى مكة ـ وكانوا في بعض الطريق ـ ندموا ، وقالوا : ما صنعنا شيئا ، قتلنا أكثرهم ولم يبق منهم إلا الشديد ، ثم تركناهم ونحن قاهرون ، ارجعوا حتى نستأصلهم بالكلية ، فلما عزموا على ذلك ألقى الله الرّعب في قلوبهم (١).
وقيل : إنّ هذا الوعد غير مختصّ بيوم أحد ، بل هو عام.
قال القفال : كأنه قيل : إنه وإن وقعت لكم هذه الواقعة في يوم أحد ، إلا أنّ الله ـ تعالى ـ سيلقي الرّعب منكم بعد ذلك في قلوب الكفّار حتى يقهر الكفار ، ويظهر دينكم على سائر الأديان ، وقد فعل الله ذلك ، حتى صار دين الإسلام قاهرا لجميع الأديان والملل. ونظير هذه الآية قوله : «نصرت بالرعب مسيرة شهر».
فصل
قال بعض العلماء : إن هذا العموم على ظاهره ، لأنه لا أحد يخالف دين الإسلام إلا في قلبه ضرب من الرّعب ، ولا يقتضي وقوع جميع أنواع الرّعب في قلوب الكافرين ، إنما يقتضي وقوع هذه الحقيقة في قلوبهم من بعض الوجوه ، وذهب جماعة من المفسّرين إلى أنه مخصوص بأوائل الكفار.
قوله : «فى قلوبهم» متعلق بالإلقاء ، وكذلك (بِما أَشْرَكُوا) ولا يضر تعلّق الحرفين ؛ لاختلاف معناهما ، فإن «في» للظرفية ، والباء للسببية. و «ما» مصدرية ، و «ما» الثانية مفعول به ل «أشركوا» وهي موصولة بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة ، والراجع : الهاء في «به» ولا يجوز أن تكون مصدرية ـ عند الجمهور ـ لعود الضمير عليها ، وتسلط النفي على الإنزال ـ لفظا ـ والمقصود نفي السلطان ـ أي : الحجة ـ كأنه قيل : لا سلطان على الإشراك فينزل.
كقول الشاعر : [السريع]
١٦٥٦ ـ .......... |
|
ولا ترى الضّبّ بها ينجحر (٢) |
أي لا ينجحر الضّبّ بها ، فيرى.
ومثله قول الشاعر : [الطويل]
١٦٥٧ ـ على لاحب لا يهتدى بمناره |
|
.......... (٣) |
أي : لا منار فيهتدى به ، فالمعنى على نفي السلطان والإنزال معا. و «سلطانا» مفعول به ل «ينزّل».
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٨٠) عن السدي والأثر ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٤٨).
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.