والثاني : النصب على المدح ، وتحرير هذا القول أن يقال على المدح في الأول وعلى الذم في الثاني ، كأنه قيل : أمدح فئة تقاتل في سبيل الله ، وأذمّ أخرى كافرة.
والثالث : أن ينتصب على الاختصاص ، جوّزه الزمخشريّ.
قال أبو حيّان : «وليس بجيد ؛ لأن المنصوب لا يكون نكرة ولا مبهما».
قال شهاب الدين (١) : لا يعني الزمخشريّ الاختصاص المبوّب له في النحو نحو : «نحن ـ معاشر الأنبياء ـ لا نورث» (٢) ، إنما على النصب بإضمار فعل لائق ، وأهل البيان يسمّون هذا النحو اختصاصا.
الرابع : أن ينتصب «فئة» على الحال من فاعل «التقتا» ، كأنه قيل : التقتا مؤمنة وكافرة ، فعلى هذا يكون «فئة» و «أخرى» توطئة للحال ؛ لأن المقصود ذكر وصفيهما ، وهذا كقولهم : زيد رجلا صالحا ، ومثله في باب الإخبار ـ (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) [الأعراف : ٨١] ، ونحوه. قوله : (وَأُخْرى كافِرَةٌ) «أخرى» صفة لموصوف محذوف ، تقديره : وفئة أخرى كافرة وقرئت «كافرة» بالرفع والجر على حسب القراءتين المذكورتين في (فِئَةٌ تُقاتِلُ) ، وهذه منسوقة عليها.
وكان من حق من قرأ «فئة» ـ بالنصب ـ أن يقرأ «وأخرى كافرة» بالنصب عطفا على الأولى ، وفي عبارة الزّمخشريّ ما يوهم القراءة به ؛ فإنه قال : «وقرىء «فئة تقاتل» «وأخرى كافرة» بالجر على البدل من «فئتين» ، والنصب على الاختصاص أو الحال» فظاهر قوله : و «بالنصب» أي في جميع ما تقدم وهو فئة تقاتل أخرى كافرة وقد تقدم سؤال أبي البقاء ، وهو لو لم يقل : والأخرى بالتعريف أعني حال رفع فئة تقاتل على خبر ابتداء مضمر تقديره إحداهما ، والجواب عنه.
والعامة على «تقاتل» ـ بالتأنيث ـ ؛ لإسناد الفعل إلى ضمير المؤنث ، ومتى أسند إلى ضمير المؤنث وجب تأنيثه ، سواء كان التأنيث حقيقة أو مجازا ، نحو الشمس طلعت ، وعليه جمهور الناس.
وخالف ابن كيسان ، فأجاز : الشمس طلع.
مستشهدا بقول الشاعر : [المتقارب]
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢٦.
(٢) أخرجه البخاري ٧ / ٩٧ في فضائل الصحابة ، باب مناقب قرابة رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٣٧١١ ، ٣٧١٢) ومسلم ٣ / ١٣٨٠ في الجهاد والسير ، باب قول النبي صلىاللهعليهوسلم : لا نورث ما تركناه صدقة (٥٢ ـ ١٧٥٩) من حديث عائشة أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلىاللهعليهوسلم مما أفاء على رسوله صلىاللهعليهوسلم تطلب صدقة النبي صلىاللهعليهوسلم بالمدينة وفدك ، وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : لا نورث ما تركنا فهو صدقة ...