وقال الحسن : مدوا الصلاة إلى السّحر ، ثم استغفروا (١).
وقال نافع : كان ابن عمر يحيي الليل ، ثم يقول : يا نافع ، أسحرنا؟ فيقول : لا ، فيعاود الصلاة ، فإذا قلت : نعم ، قعد يستغفر الله ، ويدعو حتى يصبح (٢).
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ينزل الله إلى السّماء الدّنيا كلّ ليلة ـ حين يبقى ثلث اللّيل ـ فيقول : أنا الملك ، أنا الملك ، من ذا الّذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الّذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الّذي يستغفرني فأغفر له؟» (٣) رواه مسلم.
قال القرطبيّ : وقد اختلف في تأويله ، وأولى ما قيل فيه ما جاء في كتاب النسائي ـ مفسّرا ـ عن أبي هريرة وأبي سعيد ـ رضي الله عنهما ـ قالا : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله ـ عزوجل ـ يمهل حتّى يمضي شطر اللّيل الأوّل ، ثمّ يأمر مناديا ، يقول : هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ هل من سائل يعطى؟» (٤) ، صححه أبو محمد عبد الحق ، وهو يرفع الإشكال ، ويوضّح كلّ احتمال ، وأن الأول من باب حذف المضاف ، أي : ينزل ملك ربّنا ، فيقول. وقد روي «ينزل» ـ بضمّ الياء ـ وهو يبيّن ما ذكرنا.
وحكي عن الحسن أن لقمان قال لابنه : «لا تكوننّ أعجز من هذا الدّيك ؛ يصوّت بالأسحار وأنت نائم على فراشك». واعلم أن وقت السّحر أطيب أوقات النوم ، فإذا أعرض العبد عن تلك اللذة ، وأقبل على العبودية ، كانت الطاعة أكمل ، وأشقّ ، فيكثر ثوابها ، وأيضا فإن النوم هو الموت الأصغر ، وعند السحر كأنّ الأموات تصير أحياء ، فيكون وقتا للوجود العام.
و «الأسحار» جمع سحر ـ بفتح العين وسكونها ـ واختلف أهل اللغة في السّحر ، أيّ وقت هو؟
__________________
(١) ذكره البغوي في تفسيره ١ / ٢٨٥.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٦٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٠) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه البخاري (٢ / ١٢١) كتاب تقصير الصلاة باب الدعاء في الصلاة (١١٤٥) ومسلم (٢ / ١٧٥) ومالك (١ / ٢١٤) رقم (٣٠) والترمذي (٢ / ٢٦٣) وابن نصر في قيام الليل (٣٥) والبيهقي (٣ / ٢) وفي «الأسماء والصفات» (٣١٦) وأحمد (٢ / ٤٨٧) والدارمي (١ / ٣٤٧) وابن ماجه (١٣٦٦) وأبو عوانة (٢ / ٢٨٨) والطيالسي (٦ / ٢٥) عن أبي هريرة.
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح وقد روي من أوجه كثيرة عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم وروي عنه أنه قال : ينزل الله عزوجل حين يبقى ثلث الليل الآخر .. وهو أصح الروايات.
(٤) أخرجه مسلم (٢ / ١٧٦) وأبو عوانة (٢ / ٢٨٧) والطيالسي (٢٢٣٢ ، ٢٣٨٥) والبيهقي في «الأسماء والصفات» (٣١٧) وأحمد (٢ / ٣٨٣ و ٣ / ٣٤ ، ٤٣ ، ٩٤).