ولذا إنّ الحلّي المصرّ على إرادة المعنى الثاني في المسألة السابقة وافق الأصحاب في المسألة ، مدّعياً في جملة من مواردها إجماع الطائفة (١) ، فلا وجه للمناقشة من هذه الحيثيّة.
وكذا من الحيثية الأُخرى التي ذكرها أيضاً من قوله : إنّه لا شكّ أنّ الحنطة إذا جعلت دقيقاً تزيد ، وهو ظاهر ، ودلّت عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، وانطباق الوجه المذكور فيها على قواعدهم يحتاج إلى التأمّل ، فلا ينبغي صحة بيع أحدهما بالآخر متساوياً أيضاً ؛ للزيادة ، كما في اليابس من جنس بآخر رطباً ، مثل الرُّطَب بالتمر والعنب بالزبيب ، فلا ينبغي النظر الى مثل هذه الزيادة في وقت آخر بتبديل وتغيير ، مع أنّه معتبر عندهم في الرُّطَب والتمر (٢).
وذلك لاغتفار هذه الزيادة اتفاقاً فتوًى وروايةً ، ولعلّ الوجه فيه ما أُشير إليه وإلى الإشكال الذي ذكره في الصحيحة المشار إليها في كلامه ، فإنّ فيه : ما تقول في البرّ بالسويق؟ فقال : « مثلاً بمثل لا بأس به » قلت : إنّه يكون له رَيع فيه فضل ، فقال : « أليس له مئونة؟ » قلت : بلى ، قال : « هذا بهذا » (٣).
وحاصله أنّ اغتفار الزيادة إنّما هو لأجل مئونة الطحن ، وليس بيع الرُّطَب بالتمر اليابس على تقدير المنع عنه مثله بالبديهة ؛ إذ لا مئونة في يبس التمر ، وهو فرق واضح بينهما لا يشوبه شوب المناقشة أصلاً.
__________________
(١) السرائر ٢ : ٢٦١.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٤٦٨ ، ٤٦٩.
(٣) الكافي ٥ : ١٨٩ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٤ ، الوسائل ١٨ : ١٤٠ أبواب الربا ب ٩ ح ١.