المختلف أنّ جواز تقسيط الجزية الواحدة عليهما ليس محلّ خلاف ، وإنّما هو في تقسيط الجزيتين عليهما مطلقاً ولو بعد أن صالح على جزية واحدة على أحدهما ابتداءً.
وعلى هذا فلم يتشخّص محل النزاع ، أهو ما في المختلف أو ما في المنتهى ، ولكن إطلاق نحو المتن يعمّهما ، فيعمّهما القول بالمنع والجواز. فما في المتن من الجواز كذلك أقوى ؛ لما مرّ في المنتهى ، مضافاً إلى الأصل ، والإطلاقات السليمة عمّا يصلح للمعارضة ، عدا الصحيحين المشار إليهما ، وليس فيهما الدلالة على المنع في محل النزاع أصلاً ، وهو تقسيط الجزية الواحدة على الأمرين أو أخذ جزيتين عليهما ابتداءً أو مطلقاً. وإنما غايتهما أنه ليس عليهم بعد الجزية شيء ، فإذا جعلها الإمام على رؤوسهم ، فليس عليهم بعد هذه الجزية شيء آخر غيرها على أموالهم وبالعكس ، لا أنه ليس للإمام أن يقسطها عليهما مثلاً. ولا تعرّض لهما فيهما بنفي أو إثبات أصلاً. فينبغي الرجوع فيهما إلى مقتضى الأُصول والعمومات ، وهو الجواز مطلقاً كما قدّمنا.
ثم إنّه ليس في المتن وعبائر كثير تقييد الجواز بالابتداء ، وقيّده به في الشرائع (١) معرباً عن عدم الخلاف بالمنع في غيره.
وظنّي أن المراد به الاحتراز عمّا لو تصالح ابتداءً معهم على جزية رؤوسهم أو أراضيهم إحداهما ، فلا يجوز له أخذ جزية أُخرى ولو موضوعة على غير ما وضع عليه الأُخرى ، كما تقدّم التصريح به في المنتهى (٢).
__________________
(١) الشرائع ١ : ٣٢٨.
(٢) المنتهى ٢ : ٩٦٦.