ويمكن أن يقال : إنّ الآية الأُولى أخصّ من الثانية ، فلتكن عليها مقدّمة. ومراعاة المصلحة تغني عن التفصيل بين الضرورة وغيرها ؛ إذ لو فرض وجودها في غير الضرورة جاز معها ولو في غيرها ، كما جاز معها في حال الضرورة ، فإنّ مناط الجواز المصلحة لا الضرورة ، ومع فقدها لم يجز مطلقاً.
نعم ، للتفصيل وجه في الوجوب لا الجواز ، فعليه فيجب الدفع مع الضرورة ولا مع عدمها وإن جاز.
كما أنّ الحال في نفس الهدنة كذلك ، فتجب في حال الضرورة والحاجة ولا مع عدمها وإن جاز مع المصلحة ، كما صرّح به جماعة ومنهم الفاضل المقداد في كنز العرفان (١) ، وشيخنا في الروضة فقال : ثم مع الجواز قد تجب مع حاجة المسلمين إليها ، وقد تباح لمجرد المصلحة التي لا تبلغ حدّ الحاجة ، ولو انتفت انتفت الصحة (٢).
خلافاً له أيضاً ، فأطلق أنها ليست واجبة ، قال : سواء كان في المسلمين قوة أو ضعف ، لكنها جائزة ، بل المسلم يتخيّر في فعل ذلك ، برخصة ما تقدم يعني ما دلّ على جواز المهادنة وبقوله تعالى ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٣) وإن شاء قاتل حتى يلقى الله تعالى شهيداً ، عملاً بقوله تعالى ( وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ ) (٤) إلى أن قال : وكذلك فعل سيّدنا الحسين عليهالسلام (٥).
__________________
(١) كنز العرفان ١ : ٣٨٠.
(٢) الروضة ٢ : ٤٠٠.
(٣) البقرة : ١٩٥.
(٤) البقرة : ١٩٠.
(٥) المنتهى ٢ : ٩٧٤.