أُعتُرض على هذه النظرية باعتراضات عديدة ، غير واردة عند من أمعن النظر وتدبّر فيها ، نذكر بعضاً منها :
الإعتراض الأول : إنّ نتيجة هذه النظرية أنّه لا واقعية للملك ولا للصوت في مرتبة الحسّ ، لأنّ القوّة التخيّلية في ذهن النبي هي التي توجد الصوت وصورة الملك في تلك المرتبة ، ثم ينعكس من الخيال إلى مرتبة الحسّ .
الجواب : إنّ ما ذكر من الإعتراض يَرِد على عقيدة بعض المشائيين في الوحي ، كما صرّح به صدر المتألهين نفسه في كلامه المتقدم . وأمّا عند غيرهم ، فللوحي درجات واقعية حسب مراتب وجوده . فله وجود عقلي وخيالي وحسّي ، وليس أيٌّ منها مصنوعَ ذهن النبي ونفسه ، تلك النفس الصافية الصقيلة التي ينعكس فيها كل ما في عالم العقل الفعّال . وما ذكرناه من عبارات صدر المتألهين أوضح شاهد على ذلك .
الإعتراض الثاني : إنّ هذا التصوير للوحي ، مقلوب ما نأنسه من الإدراكات في هذه الحياة ، فإنّ الترتيب الطبيعي للإدراك هو الحسيّ ثم الخيالي فالعقلي . ولكن على هذه النظرية ، ينقلب الأمر ويشرع الإدراك من العقل وينتهي بالحسّ .
الجواب : إنّ ما ذكره المعترض حقّ في الإدراكات المعاديّة ، وأمّا الإدراكات المتجاوزة حدّ العادة ، فهي على عكس المأنوس . والوحي النازل على الأنبياء إدراك خارق للعادة بدليل عظمة المعارف والقوانين التي يأتي بها الوحي إليه .
وغير ذلك من الإعتراضات القابلة للجواب .
والملاحظة الصحيحة على هذه النظرية ،
هي أنّ ما ذكروه من أنّ حقيقةً واحدةً تتجلى في نفس النبيِّ بصورٍ ثلاث ، وإن كان غير ممتنع ، إلّا أنّه لا دليل على أنّ الوحي هو خصوص ذاك . إذ ربّ وليّ من الأولياء الذين صفت ضمائرهم ، وطهرت قلوبهم ، نالوا المعارف والحقائق المفاضة من ذاك العالم