على غيرهم . كيف ، وإن الإتيان بمثل معجزته ، يسجل للمعارض خلود الذكر وسموّ الشرف ، بل لَسَعى أعداء الإسلام في نشره بين المعتنقين لدينه وغيرهم ، لأنّهم يجدون فيه بغيتهم .
قال المحقق الخوئي ـ دام ظلّه ـ : « إنّ هذه المعارضة لو كانت حاصلة لأعلنتها العرب في أنديتها ، وشَهَرتها في مواسمها وأسواقها ، وَلأَخذ منه أعداء الإسلام نشيداً يوقعونه في كل مجلس ، وذكراً يرددونه في كل مناسبة ، وعَلَّمَه السلف للخلف ، وتحفّظوا عليه تحفّظ المدعى على حجّته ، وكان ذلك أقرّ لعيونهم من الإحتفاظ بتاريخ السلف . كيف ، وأشعار الجاهلية ملأت كتب التاريخ وجوامع الأدب ، مع أنا لا نرى أثراً لهذه المعارضة » (١) .
يقول الخطابي : « إنّ هذا السؤال ساقط ، والأمر فيه خارج عمّا جرت به عادات الناس من التحدّث بالأُمور التي لها شأن ، وللنفوس بها تعلّق ، وكيف يجوز ذلك عليهم في مثل هذا الأمر الذي قد انزعجت له القلوب ، وسار ذكره بين الخافقين . ولو جاز ذلك في مثل هذا الشأن مع عِظَمِ خطره ، وجلالة قدره ، لجاز أن يقال إنّه خرج في ذلك العصر نبي آخر وأنبياء ذوو عدد ، وتنزّلت عليهم كتب من السماء ، وجاءوا بشرائع مخالفة لهذه الشريعة ، وكتم الخبر فيها فلم يظهر ، وهذا ممّا لا يحتمله عقل » (٢) .
أقول : وممّا يدلّ على عدم وجود هذه المعارضة اللائقة بالذكر ، ما ضبطه التاريخ من كلام مسيلمة الكذاب وغيره ممّن ادّعوا النبوة وأرادوا أن يخدعوا بسطاء العقول ، فجاءوا بجمل تافهة ساقطة ، لا يقام لها وزن ولا قيمة ، ما سيأتي عرضه وتحليله بعد هذا البحث .
على أنّ القرآن ما خصّ العرب الجاهليين بالتحدّي ، بل تحدّى جميع الناس سالفهم وحاضرهم ، وهناك مجموعة كثيرة من العرب لا يعتنقون دين الإسلام ويتبعون ثقافات حديثة ، وتؤيدهم القُوَى الكبرى الكافرة . فلو كانت المكافحة
__________________
(١) البيان في تفسير القرآن ، ص ٥٢ .
(٢) بيان إعجاز القرآن ، ص ٥٠ .