وممّا يؤيّد قول ابن عديم ، ما ذكره ياقوت من أنّ المعرّي كان يُرمى من أهل الحسد له ، بالتعطيل ، وتعلّم تلامذته وغيرهم على لسانه الأشعار . يضمنونها أقاويل الملاحدة .
والذي يمكن أن يقال إنّ بعض شعره يدلّ على سوء عقيدته ، غير أنّ قيام الرجل بمعارضة القرآن ، موضع شكّ وترديد ، فقد نسب إليه أنّه عارض القرآن بكتاب أسماه : « الفصول والغايات في مجاراة السور والآيات » ، وقد نشرت بعض فصوله .
وممّا يورث الشكّ في كون الهدف من تأليف هذا الكتاب هو المعارضة ، ما ذكره هو نفسه في مقدمته ، قال : « علم ربّنا ما علم ، أنّي ألّفت الكلم ، آمل رضاه المسلّم ، واتّقي سخطه المؤلم ، فهب لي ما أبلغ رضاك من الكلم ، والمعاني الغِراب » (١) .
على أنّ الشيخ عبد القاهر الجرجاني قد شكّ في صحّة نسبة هذا الكتاب إليه ، في قوله : « وقد خيّل إلى بعضهم ـ إنْ كانت الحكاية صحيحة ـ شيء من هذا ( وهو كون التحدّي إلى فصول الكلام بأن يكون لها أواخر أشباه القوافي ) ، حتى وضع على ما زعموا « فصول الكلام » ، أواخرها كأواخر الآي ، مثل : « يعملون » ، و « يؤمنون » ، وأشباه ذلك » (٢) .
كما نسبت إليه الجمل التالية :
« أقسم بخالق الخيل ، والريح الهابّة بِلَيْل ، بين الشرط مطلع سُهَيْل ، إِنّ الكافر لطويل الويل ، وإن العمر لمكفوف الذيل ، تعدّى مدارج السيل ، وطالِع التوبةَ من قُبيل ، تَنْجُ وما أخالك بناج » .
والذي يعرب عن كون هذه الجمل مفتريات على الرجل ما نقل عنه في كتابه « الغُفران » ، قال ـ رداً على ابن الراوندي ـ : « وأَجْمَعَ مُلْحَدٌ ومهتدي ، وناكب
__________________
(١) الفصول والغايات ، ص ٦٢ .
(٢) دلائل الإعجاز ، لعبد القاهر الجرجاني ، ص ٢٩٧ ، ط المنار .