إنّ السور المكية التي تتراوح بين ثلاث وثمانين ، وخمس وثمانين سورة ، نزلت كلّها في ظروف قاسية كانت الرهبة فيها حليف صاحب الرسالة ، وكان الاستضعاف مسيطراً على المؤمنين به ، ومع ذلك فهي لا تتفاوت في بداعة الأُسلوب ، وروعة النظم ، وكمال الفصاحة والبلاغة ، مع السور المدنية التي نزلت في ظروف هادئة كان الأمن والهدوء مستتبين فيها . فلم يكن لتلك الأحوال القاسية ، ولا لهذه الظروف الهادئة ، تأثير في فصاحة القرآن وبلاغته ، وروعة نظمه ، وبداعة أُسلوبه ، فجاء الكلّ على نمط معجز لا يُدْرَك شأوه ، ولا يُشَقُّ غُبارُه .
فهذا يدلّ على أنّ هذا الكتاب ، ليس وليد قريحة النبي ونتاج ذهنه وتفكّره ، وإلّا لكثر فيه الإختلاف وتفاوت في نظمه وبلاغته ، فكان بعضه بالغاً حدّ الإعجاز ، وبعضه قاصراً عنه .
* * *