روي عن ابن عباس أنّه قال : « القرآنُ يُفَسِّرُهُ الزَّمان » (١) .
وهذه الكلمة سواء أصحّت نسبتها إلى تلميذ الإمام عليّ (عليه السلام ) أوْ لا ، كلمةٌ قيمة ، فإنّ مرور الزمان وتكامل الحضارات ، يزيد من قدرة الإنسان على استجلاء حقائق القرآن ومعارفه في شتى المجالات .
وما هذا إلّا لأنّ القرآن ، كلام الموجود اللا متناهي ، فيجب أن يكون في كلامه أثر من ذاته ، فيكون ذا آفاق وأبعاد لا متناهية ، ويجد الإنسان في كل جيل وعصر ، الشيء الجديد فيه ، الذي غفل عنه الأقدمون ولم يصلوا إليه . وعلى ذلك فلا غرو في أنْ نجتني نحن من هذه الدوحة المثمرة ، ثماراً لم يجتنها الأَوّلون ، فما أعذب قول الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ، في جواب من سأله عن سبب غضاضة القرآن وطراوته في كل عصر ، وأنّ النَشْر والدراسة لا يزيده إلّا طراوة : « إنّ الله تعالى ، لم يجعله لزمانٍ دون زمان ولا لناسٍ دون ناس ، فهو في كل زمان جديد ، وعند كل قوم غضٌّ إلى يوم القيامة » (٢) .
نعم ، لسنا من المكثرين في تطبيق الآيات القرآنية على فروض متزلزلة ، فإنّه دخول في المزالق الوعرة ، فسوف تتبدل تلك الفروض بفروض أُخرى ، كما لسنا من المتحجرين الجامدين الذين يسدّون باب التعمّق والإمعان في الآية . وإنّما نسلك في هذا طريقاً وسطا ، وهو أنّه إذا تمّت دلالة الآية على نظرية علمية ، على ضوء القواعد الأدبية من دون تجشّم التأويل والتقدير ، وثبتت القضية العلمية ثبوتاً واضحاً حتى عُدَّت من القواعد الموضوعية ، ودخلت في نطاق القوانين العلمية ، كحركة الأرض ودورانها حول الشمس ، والزوجية في النباتات ، وغير ذلك من الأُصول العلمية التي أصبحت في عِداد البديهيات ، ففي هذه الظروف يصحّ لنا استنطاق الآية والقضاء بأنّها تشير إلى ذلك القانون العلمي الثابت .
ولأجل ذلك نأتي في المقام بنماذج في هذا المجال .
__________________
(١) حكاه شيخنا المغفور له العلامة الشيخ محمد جواد مغنية عن مفتي موصل العبيدي في كتابه « النواة » .
(٢) البرهان في تفسير القرآن ، للعلّامة البحراني ، ج ١ ، ص ٢٨ .