ومعنى قوله : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ) ، أنّ القيامة قد قربت ، وقرب موعد وقوعها ، والكفار يتصورونها بعيدة ، قال سبحانه : ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا ) (١) .
وقوله : ( وَانشَقَّ الْقَمَرُ ) ، يدلّ على وقوع انشقاق القمر ، لأنّه فعل ماض . وحمله على المستقبل ، لانشقاق القمر يوم القيامة ، تأويل بلا جهة .
وأمّا وجه الربط بين الجملتين ( اقتراب الساعة وانشقاق القمر ) ، فهو أنّ انشقاقه من علامة نبوّة نبينا ، ونبوّته وزمانه من أشراط الساعة ، وقد أخبر القرآن عن تحقق هذين الشرطين ( ظهور نبي الإسلام ، وانشقاق القمر ) وقال : ( فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ ، أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) (٢) .
وفي الآية قرينتان على أنّ المراد ، انشقاق القمر بوصف الإعجاز ، لا انشقاقه يوم القيامة .
الأولى : قوله : ( وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ) ، فالمراد من الآية ، الآية المعجزة ، غير الآيات القرآنية ، وذلك لأنّه لو كان المراد هو الآيات القرآنية ، لكان المناسب أن يقول : وإِنْ سمعوا آية ، أو نزلت عليهم آية . وعلى هذا تكون الآية المرئية هي انشقاق القمر الذي تقدم ذكره في الآية .
الثانية : أنّ قوله : ( وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ) ، يُعَيِّن ظرف هذا الحَدَث ، وأنّه هو هذا العالم المنتظم لا يوم القيامة . إذ لو كان راجعاً إليها ، لما كان لأحد أن يتفوّه بغير الحق ، أو يصف فعل الحق بالسحر ، لأنّ ذلك الظرف ظرف الخَتْم على الأفواه ، واستنطاق الأيدي والأرجل ، قال سبحانه :
( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (٣) .
__________________
(١) سورة المعارج : الآيتان ٦ ـ ٧ .
(٢) سورة محمد : الآية ١٨ .
(٣) سورة يس : الآية ٦٥ .