سبيل الله ، فتحملوا الأذى لأجل الدين (وَقاتَلُوا) في سبيل الله (وَقُتِلُوا) فيها (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) يعني لأمحونها عنهم ، ولأتفضلن عليهم بعفوي ومغفرتي ورحمتي (وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي من تحت ابنيتها وأشجارها (ثَواباً) أي جزاء لهم (مِنْ عِنْدِ اللهِ) على أعمالهم (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) أي عنده من حسن الجزاء على الأعمال ما لا يبلغه وصف واصف ، ولا يدركه نعت ناعت ، مما لا رأت عين ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.
١٩٦ ـ ١٩٨ ـ (لا يَغُرَّنَّكَ) معناه : لا يغرنك أيها الإنسان أو أيها السامع (تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي تصرفهم (فِي الْبِلادِ) سالمين غانمين غير مؤاخذين باجرامهم ، أعلم الله تعالى أن ذلك مما لا ينبغي أن يغبطوا به لأن مأواهم ومصيرهم إلى النار بكفرهم ، ولا خير بخير بعده النار وقوله : (مَتاعٌ قَلِيلٌ) معناه : تصرفهم في البلاد والنعم متاع قليل ، أي يتنعمون بذلك قليلا ثم يزول ، وسماه متاعا لأنهم متعوا به في الدنيا (ثُمَّ مَأْواهُمْ) أي مصيرهم ومرجعهم (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) أي ساء المستقر هي. ثم أعلم تعالى أن من أراد الله واتقاه فله الجنة فقال : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) لكن للإستدراك فيكون بخلاف المعنى المتقدم ، فمعناه : ليس للكفار عاقبة خير ، إنما هي للمؤمنين المتقين الذين اتقوا ربهم بفعل الطاعات ، وترك المعاصي (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ) بين سبحانه ما يصيرون إليه من النعيم المقيم في دار القرار المعدة للأبرار ، والنزل : ما يعد للضيف من الكرامة والبر والطعام والشراب (وَما عِنْدَ اللهِ) من الثواب والكرامة (خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) مما يتقلب فيه الذين كفروا لأن ذلك عن قريب سيزول ، وما عند الله دائم لا يزول.
١٩٩ ـ لما ذمّ تعالى أهل الكتاب فيما تقدم ، وصف طائفة منهم بالإيمان وإظهار الحق والصدق فقال : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) أي من اليهود والنصارى (لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) أي يصدق بالله ، ويقر بوحدانيته (وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) أيها المؤمنون وهو القرآن (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) وهو التوراة والإنجيل (خاشِعِينَ لِلَّهِ) أي خاضعين له ، مستكينين له بالطاعة ، متذللين بها (لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) أي لا يأخذون عوضا يسيرا على تحريف الكتاب ، وكتمان الحق من الرشى والمأكل كما فعله غيرهم ممن وصفهم تعالى في قوله : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ، ولكن ينقادون إلى الحق يعملون بما أمرهم الله به ، وينتهون عما نهاهم عنه ثم قال : (أُولئِكَ) يعني هؤلاء الذين وصفناهم (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) معناه : لهم ثواب أعمالهم ، وأجر طاعاتهم عند الله مذخور ، حتى يوفيهم الله يوم القيامة (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) وصف الحساب بالسرعة لأنه تعالى لا يؤخر الجزاء عمن يستحقه بطول الحساب ، لأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ، فلا حاجة به إلى إحصاء عدد.
٢٠٠ ـ لما حكى الله تعالى أحوال المؤمنين والكافرين فيما تقدم حث بعد ذلك على الصبر على الطاعة ، ولزوم الدين في الجهاد في سبيل الله فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا الله ورسوله (اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا) معناه : اصبروا على طاعة الله وعن معاصيه وقاتلوا العدو واصبروا على قتالهم في الحق كما يصبرون على قتالكم في الباطل (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) معناه : اتقوا عذاب الله بلزوم أمره ، واجتناب نهيه ، لكي تظفروا وتفوزوا بنيل المنية ، ودرك البغية ، والوصول إلى النجح في الطلبة.