بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة النساء مدنية
عدد آياتها مائة وست وسبعون آية
١ ـ ابتدأ الله سبحانه هذه السورة بالموعظة والأمر بالتقوى فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) وهو خطاب للمكلفين من جميع البشر (اتَّقُوا رَبَّكُمُ) معناه : اتقوا مخالفة ربكم بترك ما أمر به ، وارتكاب ما نهى عنه. وقوله : (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) المراد بالنفس هنا آدم عند جميع المفسرين (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) يعني حواء عليهاالسلام. روي عن أبي جعفر الباقر (ع): أن الله تعالى خلق حواء من فضل الطينة التي خلق منها آدم (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً) أي نشر وفرّق من هاتين النفسين على وجه التناسل رجالا (وَنِساءً) وإنما منّ علينا تعالى بأن خلقنا من نفس واحدة لأنه أقرب إلى أن يعطف بعضنا على بعض ، ويرحم بعضنا بعضا لرجوعنا جميعا إلى أصل واحد ، ولأن ذلك أبلغ في القدرة ، وأدلّ على العلم والحكمة (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ) تطلبون حقوقكم وحوائجكم فيما بينكم به (وَالْأَرْحامَ) معناه : واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، وهذا يدل على وجوب صلة الرحم (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) أي حافظا ، وعالما بما صدر منهم لم يعزب عنه من ذلك شيء.
٢ ـ لمّا أمر الله سبحانه بالتقوى وصلة الأرحام عقّبه بباب آخر من التقوى وهو توفير حقوق اليتامى فقال : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) وهذا خطاب لأوصياء اليتامى ، أي اعطوهم أموالهم بالإنفاق عليهم في حال الصغر ، وبالتسليم إليهم عند البلوغ إذا أونس منهم الرشد (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) معناه : لا تستبدلوا ما حرّمه الله تعالى عليكم من أموال اليتامى بما أحلّه الله لكم من أموالكم ، واختلف في صفة التبديل فقيل : كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتيم ، والرفيع منه ، ويجعلون مكانه الخسيس والرديء (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) أي مع أموالكم ومعناه : ولا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم فتأكلوهما جميعا (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) أي اثما عظيما.
٣ ـ ٤ ـ (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) أي لا تنصفوا ولا تعدلوا يا معاشر أولياء اليتامى (فِي الْيَتامى) نزلت في اليتيمة تكون في حجر وليّها فيرغب في مالها وجمالها ، ويريد أن ينكحها بدون صداق مثلها ، فنهوا أن ينكحوهن إلّا أن يقسطوا لهن في إكمال مهور أمثالهن (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) أي ما حلّ لكم (مِنَ النِّساءِ) أي الحلال منهن ، أي من اللاتي يحلّ نكاحهن دون المحرمات اللاتي ذكرن في قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) الآية ، ويكون تقديره : إن خفتم أن لا تعدلوا في نكاح اليتامى ان نكحتموهن فانكحوا البوالغ من النساء ، وذلك أنه إن وقع حيف في حق البوالغ أمكن طلب المخلص منهن بتطييب نفوسهن ، والتماس تحليلهن ، لأنهن من أهل التحليل وإسقاط الحقوق ، بخلاف اليتامى فإنه إن وقع حيف في حقهن لم يمكن المخلص منه لأنهن لسن من أهل التحليل ، ولا من أهل إسقاط الحقوق ، قوله : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) معناها : اثنتين اثنتين ، وثلاثا ثلاثا ، وأربعا أربعا ، قال الصادق (ع): لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) بين الأربع أو الثلاث في القسم أو النفقة وسائر وجوه التسوية (فَواحِدَةً) أي فتزوجوا واحدة (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي واقتصروا على الاماء حتى لا تحتاجوا إلى القسم بينهن لأنهن لا حق لهن في القسم (ذلِكَ) إشارة إلى العقد على الواحدة مع الخوف من الجور فيما زاد عليها