ويتجاوز ما حدّ له من الطاعات (يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً) أي دائما (فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) سماه مهينا لأن الله يفعله على وجه الإهانة ، كما أنه يثيب المؤمن على وجه الكرامة.
١٥ ـ ١٦ لمّا بين سبحانه حكم الرجال والنساء في باب النكاح والميراث ، بين حكم الحدود فيهن إذا ارتكبن الحرام فقال : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ) أي يفعلن الزنا (مِنْ نِسائِكُمْ) الحرائر فالمعنى : اللاتي يزنين (فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) أي من المسلمين ، يخاطب الحكام والأئمة ويأمرهم بطلب أربعة من الشهود في ذلك عند عدم الإقرار وقيل : هو خطاب للأزواج في نسائهم ، أي فاشهدوا عليهن أربعة منكم (فَإِنْ شَهِدُوا) يعني الأربعة (فَأَمْسِكُوهُنَ) أي فاحبسوهن (فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) أي يدركهن الموت فيمتن في البيوت ، وكان في مبدأ الإسلام إذا فجرت المرأة وقام عليها أربعة شهود حبست في البيت أبدا حتى تموت ، ثم نسخ ذلك بالرجم في المحصنين ، والجلد في البكرين (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) قالوا : لما نزل قوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) ، قال النبي (ص): خذوا عني خذوا عني ، قد جعل الله لهنّ سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) أي يأتيان الفاحشة (فَآذُوهُما) انه التعيير والتوبيخ (فَإِنْ تابا) رجعا عن الفاحشة (وَأَصْلَحا) العمل فيما بعده (فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) أي اصفحوا عنهما ، وكفوا عن أذاهما (إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً) يقبل التوبة عن عباده ويرحمهم.
١٧ ـ ١٨ ـ لمّا وصف تعالى نفسه بالتّواب الرحيم بيّن عقيبه شرائط التوبة فقال : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ) معناه : لا توبة مقبولة (عَلَى اللهِ) أي عند الله إلا (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) ان كل معصية يفعلها العبد جهالة وان كان على سبيل العمد ، لأنه يدعو إليها الجهل ويزينها للعبد وهو المروي عن أبي عبد الله فإنه قال : كل ذنب عمله العبد وإن كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه ، فقد حكى الله تعالى قول يوسف لاخوته : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) ، فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله ومعنى يتوبون من قريب : أي يتوبون قبل الموت ، لأن ما بين الإنسان وبين الموت قريب فالتوبة مقبولة قبل اليقين بالموت والقريب ما لم يعاين الموت (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بمصالح العباد (حَكِيماً) فيما يعاملهم به (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ) التوبة المقبولة التي ينتفع بها صاحبها (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) أي المعاصي ويصرون عليها ، ويسوّفون التوبة (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) أي أسباب الموت من معاينة ملك الموت ، وانقطاع الرجاء عن الحياة ، وهو حال اليأس التي لا يعلمها أحد غير المحتضر (قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) أي فليس عند ذلك اليأس التوبة ، واجمع أهل التأويل على أن هذه قد تناولت عصاة أهل الإسلام (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) ومعناه : وليست التوبة أيضا للذين يموتون على الكفر ثم يندمون بعد الموت (أُولئِكَ أَعْتَدْنا) أي هيأنا (لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) أي موجعا.
١٩ ـ لما نهى الله فيما تقدم عن عادات أهل الجاهلية في أمر اليتامى والأموال ، عقبّه بالنهي عن الإستنان بسنتهم في النساء فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي يا أيها المؤمنون (لا يَحِلُّ لَكُمْ) لا يسعكم في دينكم (أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ) أي نكاح النساء (كَرْهاً) أي على كره منهن وقيل : ليس لكم ان تحبسوهن على كره منهن طمعا في ميراثهن وقيل : ليس لكم أن تسيئوا صحبتهن ليفتدين بما لهن ، أو بما سقتم اليهن من مهورهن ، أو ليمتن فترثوهن (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) أي وان لا تحبسوهن وقيل : ولا تمنعوهنّ عن النكاح (لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) انه الزوج أمره الله