كلام البشر إذا طال لم يخل من التناقض في المعاني ، والإختلاف في اللفظ ، وكل هذه المعاني منفي عن كلام الله كما قال : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) ثم عاد تعالى إلى ذكر حالتهم فقال : (وَإِذا جاءَهُمْ) يعني هؤلاء الذين سبق ذكرهم من المنافقين (أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ) يريد ما كان يرجف به من الأخبار في المدينة ، أما من قبل عدو يقصدهم وهو الخوف أو من ظهور المؤمنين على عدوهم وهو الأمن (أَذاعُوا بِهِ) أي تحدثوا به وافشوه من غير أن يعلموا صحته ، كره الله ذلك لأن من فعل هذا فلا يخلو كلامه من كذب ، ولما يدخل على المؤمنين به من الخوف. ثم قال : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ) المعنى : ولو سكتوا إلى ان يظهره الرسول (وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ) قال : أبو جعفر (ع) هم الأئمة المعصومون (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ) أي لعلم ذلك الخبر الذين يستخرجونه عن الزجاج ، وقيل : يتحسسونه عن ابن عباس وأبي العالية ، وقيل : يبغونه ويطلبون علم ذلك عن الضحاك ، وقيل : يسألون عنه عن عكرمة ، قال : استنباطهم سؤالهم الرسول عنه (مِنْهُمْ) ان الضمير في منهم يعود إلى أولي الأمر (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) أي لولا إيصال مواد الألطاف من جهة الله (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) ان المراد : ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلّا قليلا منكم ، وهذا كما اتبع الشيطان من كان قبل بعثة النبي إلّا قليلا منهم لم يتبعوه ، واهتدوا بعقولهم لترك عبادة الأوثان.
٨٤ ـ ثم عاد تعالى إلى الأمر بالقتال فقال : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) الخطاب للنبي (ص) خاصة ، أمره الله ان يقاتل في سبيل الله وحده بنفسه وقوله : (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) معناه : لا تكلف إلا فعل نفسك فإنه لا ضرر عليك في فعل غيرك ، فلا تهتمّ بتخلف المنافقين عن الجهاد فإن ضرر ذلك عليهم (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) على القتال أي حثهم عليه (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي يمنع شدة الكفار ، قال الحسن : عسى من الله واجب ، ووجه ذلك ان اطماع الكريم انجاز (وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً) أي أشد نكاية في الأعداء منكم (وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) أي عقوبة.
٨٥ ـ (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً) معناه : من يصلح بين اثنين (يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها) أي يكن له أجر منها (وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً) أي يمشي بالنميمة (يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها) أي إثم منها (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) أي يجازي على كل شيء من الحسنات والسيئات.
٨٦ ـ (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها) أمر الله المسلمين برد السلام على المسلم بأحسن مما سلم إن كان مؤمنا وإلا فليقل : وعليكم لا يزيد على ذلك فقوله : (بِأَحْسَنَ مِنْها) للمسلمين خاصة وقوله : (أَوْ رُدُّوها) لأهل الكتاب ، عن ابن عباس (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً) أي حفيظا وقيل : كافيا ، وقيل : مجازيا وفي هذه الآية دلالة على وجوب رد السلام ، لأن ظاهر الأمر يقتضي الوجوب.
٨٧ ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) قد مرّ تفسيره (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أي ليبعثنكم من بعد مماتكم ، ويحشرنكم جميعا إلى موقف الحساب الذي يقضي فيه بين أهل الطاعة والمعصية (لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا شك في هذا القول ، وانما سمي يوم القيامة لأن الناس يقومون فيه من قبورهم وفي التنزيل : يوم يقوم الناس لرب العالمين (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) أي موعدا لا خلف لوعده.
٨٨ ـ ثم عاد الكلام إلى ذكر المنافقين فقال تعالى : (فَما