لَكُمْ) أيها المؤمنون صرتم (فِي) أمر هؤلاء (الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) أي فرقتين مختلفتين فمنكم من يكفرهم ، ومنكم من لا يكفرهم (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) أي ردّهم الى حكم الكفار بما أظهروا من الكفر وقيل معناه : أهلكهم بكفرهم (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا) أي تحكموا بهداية (مَنْ أَضَلَّ اللهُ) أي حكم الله بضلاله وسماه ضالا (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) معناه : ومن نسبه الله إلى الضلالة فلن ينفعه أن يحكم غيره بهدايته.
٨٩ ـ ثم بيّن تعالى أحوال هؤلاء المنافقين فقال (وَدُّوا) أي ود هؤلاء المنافقون الذين اختلفتم في أمرهم ، يعني تمنوا (لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) فتستوون أنتم وهم ، وتكونون مثلهم كفارا ، ثم نهى تعالى المؤمنين أن يوادوهم فقال : (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ) أي فلا تستنصروهم ، ولا تستنصحوهم ولا تستعينوا بهم في الأمور (حَتَّى يُهاجِرُوا) أي حتى يخرجوا من دار الشرك ويفارقوا أهلها المشركين بالله (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في ابتغاء دينه وهو سبيله فيصيروا عند ذلك مثلكم ، لهم ما لكم ، وعليهم ما عليكم ، وإنما سمي الدين سبيلا وطريقا لأن من يسلكه أداه إلى النعمة ، وساقه إلى الجنة (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي اعرضوا عن الهجرة في سبيل الله (فَخُذُوهُمْ) أيها المؤمنون (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) أين أصبتموهم من أرض الله من الحل والحرم (وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا) أي خليلا (وَلا نَصِيراً) أي ناصرا ينصركم على أعدائكم.
٩٠ ـ لمّا أمر تعالى المؤمنين بقتال الذين لا يهاجرون عن بلاد الشرك ، وان لم يوالوهم استثنى من جملتهم فقال : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) معناه : الا من وصل من هؤلاء إلى قوم بينكم وبينهم موادعة وعهد فدخلوا فيهم بالحلف أو الجوار ، فحكمهم حكم أولئك في حقن دمائهم ، ثم استثنى لهم حالة أخرى فقال : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) أي ضاقت قلوبهم من (أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ) يعني من قتالكم وقتال قومهم فلا عليكم ولا عليهم ، وإنما عني به أشجع فإنهم قدموا المدينة في سبعمائة يقودهم مسعود بن دخيلة ، فأخرج إليهم النبي احمال التمر ضيافة وقال : نعم الشيء الهدية أمام الحاجة وقال لهم : ما جاء بكم ـ قالوا : لقرب دارنا منك ، وكرهنا حربك وحرب قومنا ـ يعنون بني ضمرة الذين بينهم وبينهم عهد ـ لقلتنا فيهم ، فجئنا لنوادعك ، فقبل النبي ذلك منهم ووادعهم ، فأمر الله تعالى المسلمين أن لا يتعرضوا لهؤلاء (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ) بتقوية قلوبهم فيجترؤن على قتالكم (فَلَقاتَلُوكُمْ) أي لو فعل ذلك لقاتلوكم (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ) يعني هؤلاء الذين أمر بالكفّ عن قتالهم بدخولهم في عهدكم ، أو بمصيرهم اليكم ، حصرت صدورهم أن يقاتلوكم (فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) يعني صالحوكم واستسلموا لكم والسلم : الصلح (فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) يعني إذا سالموكم فلا سبيل لكم إلى نفوسهم وأموالهم.
٩١ ـ ثمّ بيّن تعالى طائفة أخرى منهم فقال : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ) يعني قوما آخرين غير الذين وصفتهم قبل (يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ) فيظهرون الإسلام (وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ) فيظهرون لهم الموافقة في دينهم (كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها) المراد بالفتنة هنا الشرك ، أي كلما دعوا إلى الكفر أجابوا ورجعوا إليه ، والفتنة في اللغة الإختبار ، والإركاس : الرد (فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ) أيها المؤمنون ، أي فإن لم يعتزل قتالكم هؤلاء الذين يريدون ان يأمنوكم ويأمنوا قومهم (وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ