الفضل ، ذو المن والطول.
١٠٦ ـ (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) معناه : ما نرفع من حكم آية ونأمركم بترك العمل بها قوله : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) نأت بخير منها لكم في التسهيل والتيسير كالأمر بالقتال الذي سهل على المسلمين بقوله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) ، أو مثلها في السهولة كالعبادة بالتوجه إلى الكعبة بعد أن كانت إلى بيت المقدس وقوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قيل : هو خطاب للنبي (ص) وقيل : هو خطاب لجميع المكلفين والمراد : ألم تعلم أيها السامع أو أيها الإنسان أن الله تعالى قادر على آيات وسور مثل القرآن ينسخ بها ما أمر فيقوم في النفع مقام المنسوخ.
١٠٧ ـ (أَلَمْ تَعْلَمْ) إستفهام تقرير وتثبيت ويؤول في المعنى إلى الإيجاب ، فكأنه يقول : قد علمت حقيقة فلهذا خاطب به النبي (ص) وقيل : إن الآية وإن كانت خطابا للنبي (ع) فالمراد به أمته فكأنه قال : ألم تعلم أيها الإنسان (أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لأنه خلقهما وما فيهما ، وقوله (وَما لَكُمْ) المعنى ألم تعلموا ما لكم أيها الناس (مِنْ دُونِ اللهِ) أي سوى الله (مِنْ وَلِيٍ) يقوم بأمركم (وَلا نَصِيرٍ) ناصر ينصركم.
١٠٨ ـ (أَمْ تُرِيدُونَ) أي بل أتريدون (أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) يعني النبي محمدا (كَما سُئِلَ مُوسى) أي كما سأل قوم موسى موسى (مِنْ قَبْلُ) من الإقتراحات والمحالات (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) أي من إستبدل الجحود بالله وبآياته بالتصديق بالله ، والإقرار به وبآياته ، واقترح المحالات على النبي (ص) ، وسأل عما لا يعنيه بعد وضوح الحق بالبراهين (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أي ذهب عن قصد الطريق وقيل : عن طريق الإستقامة ، وقيل : عن وسط الطريق لأن وسط الطريق خير من أطرافه.
١٠٩ ـ ثم أخبر الله سبحانه عن سرائر اليهود فقال (وَدَّ) أي تمنى (كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) كحيي بن أخطب ، وكعب بن الأشرف وأمثالهما (لَوْ يَرُدُّونَكُمْ) يا معشر المؤمنين أي يرجعونكم (مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً) منهم لكم بما أعدّ الله لكم من الثواب والخير ، وإنما قال كثير من أهل الكتاب لأنه إنما آمن منهم القليل : كعبد الله بن سلام ، وكعب الأحبار ، وقيل إنما حسد اليهود المسلمين على وضع النبوة فيهم ، وذهابها عنهم (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ) أي بعد ما تبين لهم أن محمدا رسول الله ، والإسلام دين الله (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) تجاوزوا عنهم فإنّهم لا يفوتون الله ولا يعجزونه (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) أي بأمره لكم بعقابهم ، أو يعاقبهم هو على ذلك ، ثم أتاهم بأمره فقال : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) الآية (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) إنه لما أمر بالإمهال والتأخير في قوله : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) قال : إن الله قادر على عقوبتهم بأن يأمركم بقتالهم ، ويعاقبهم في الآخرة بنفسه.
١١٠ ـ لما أمر الله سبحانه المؤمنين بالصفح عن الكفار والتجاوز علم أنه يشق عليهم ذلك مع شدة عداوة اليهود وغيرهم لهم ، فأمرهم بالإستعانة على ذلك بالصلاة والزكاة ، فإن في ذلك معونة لهم على الصبر مع ما يحوزون بهما من الثواب والأجر ، كما قال في موضع آخر : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) قوله : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ) أي من طاعة وإحسان وعمل صالح (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) معناه : تجدوه مكتوبا محفوظا عند الله ليجازيكم به وقوله : (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي لا يخفى عليه شيء من أعمالكم سيجازيكم على الإحسان بما تستحقونه من الثواب ، وعلى الإساءة بما تستحقونه من العقاب.
١١١ ـ ثم حكى سبحانه نبذا من أقوال اليهود ودعاويهم الباطلة فقال : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) تقديره : قالت اليهود : لن يدخل الجنة إلا من كان