ولدا له فنبّه بذلك على أن المسيح وغيره عبيد له مخلوقون مملوكون ، فهم بمنزلة سائر الخلق (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) مطيعون.
١١٧ ـ لما نزه الله سبحانه نفسه عن اتخاذ الأولاد ، ودل عليه بأن له ما في السماوات والأرض ، أكد ذلك بقوله (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي منشىء السماوات والأرض على غير مثال امتثله ، ولا احتذاء من صنع خالق كان قبله (وَإِذا قَضى أَمْراً) معناه : إذا فعل أمرا ، أي أراد احداث أمر (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) معناه : إن منزلة الفعل في تسهله وتيسره عليه وانتفاء التعذر منه كمنزلة ما يقال له : (كُنْ فَيَكُونُ).
١١٨ ـ لما بين سبحانه حالهم في إنكارهم التوحيد ، وادعائهم عليه اتخاذ الأولاد ، عقّبه بذكر خلافهم في النبوات ، وسلوكهم في ذلك طريق التعنّت والعناد فقال (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وهم مشركو العرب (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ) ، أي هلا يكلمنا معاينة فيخبرنا بأنك نبي (أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) أي تأتينا آية موافقة لدعوتنا وقوله : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) قيل : هم اليهود حيث اقترحوا الآيات على موسى (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) أي أشبه بعضها بعضا في الكفر والقسوة والإعتراض على الأنبياء من غير حجة ، والتعنت والعناد ، وقوله : (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ) يعني الحجج والمعجزات التي يعلم بها صحة نبوة محمد (ص) (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي يستدلون بها من الوجه الذي يجب الاستدلال به فأيقنوا لذلك ، فكذلك فاستدلوا أنتم حتى توقنوا كما أيقن أولئك.
١١٩ ـ بيّن الله سبحانه في هذه الآية تأييده نبيه محمدا (ص) بالحجج ، وبعثه بالحق فقال : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ) يا محمد (بِالْحَقِ) بالإسلام وقوله : (بَشِيراً وَنَذِيراً) أي بشيرا من اتبعك بالثواب ، ونذيرا من خالفك بالعقاب ، وقوله : (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) أي لا تسأل عن أحوالهم. وفيه تسلية للنبي (ص) إذ قيل له : إنما أنت بشير ونذير ، ولست تسأل عن أهل الجحيم ، وليس عليك إجبارهم على القبول منك.
١٢٠ ـ كانت اليهود والنصارى يسألون النبي (ص) الهدنة ، ويرونه أنه إن هادنهم وأمهلهم اتبعوه ، فآيسه الله تعالى من موافقتهم فقال : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) وهذا يدل على انه لا يصح إرضاء اليهود والنصارى على حال (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) أي قل يا محمد لهم : إن دين الله الذي يرضاه هو الهدى ، الذي يهدي إلى الجنة لا طريقة اليهود والنصارى (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) أي مراداتهم (بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) أي من البيان من الله تعالى (ما لَكَ) يا محمد (مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) يحفظك من عقابه (وَلا نَصِيرٍ) أي معين وظهير يعينك عليه ، ويدفع بنصره عقابه عنك.
١٢١ ـ (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي أعطيناهم الكتاب (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) روي عن أبي عبد الله (ع): ان حق تلاوته هو الوقوف عند ذكر الجنة والنار ، يسأل في الأولى ، ويستعيذ من الأخرى وقوله : (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي بالكتاب (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) وهم جميع الكفار (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) خسروا في الدنيا الظفر والنصرة ، وفي الآخرة ما أعدّ الله للمؤمنين من نعيم الجنة.
١٢٢ ـ هذه الآية قد تقدم ذكر مثلها في رأس نيف وأربعين آية ومضى تفسيرها ، سبب تكريرها : إن نعم الله سبحانه لما كانت أصول كل نعمة ، كرّر التذكير بها مبالغة في استدعائهم إلى ما يلزمهم من شكرها ، ليقبلوا إلى طاعة ربهم المظاهر ، نعمه عليهم.
١٢٣ ـ ومثل هذه الآية أيضا تقدم ذكرها ، ومرّ تفسيرها.