أي بتفسير الأشياء التي لم تستطع على الإمساك عن السؤال عنها صبرا (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ) معناه : أما السبب في خرقي السفينة فهو انها كانت لفقراء لا شيء لهم يكفيهم (يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) أي يعملون بها في البحر ويتعيّشون بها (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) أي أحدث فيها عيبا (وَكانَ وَراءَهُمْ) أي وكان قدامهم (مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ) صحيحة غير معيبة (غَصْباً) قال الخضر : انما خرقتها لأن الملك إذا رآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة خشب فانتفعوا بها (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ) ومعناه : وأما الغلام الذي قتلته فإنما قتلته لأنه كان كافرا (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً) فخفنا أن يحمل أبويه على الطغيان والكفر بأن يباشر ما لا يمكنهما منعه منه ، فيحملهما على الذب عنه ، والتعصب ، فيؤدي ذلك إلى أمور يكون مجاوزة للحد في العصيان والكفر (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً) أي ولدا خيرا منه دينا وطهارة وصلاحا (وَأَقْرَبَ رُحْماً) أي وارحم بهما (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ) أي فإنما أقمته لأنه كان (لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ) يعني القرية المذكورة في قوله أتيا أهل قرية (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) والكنز : هو كل مال مذخور من ذهب أو فضة وغير ذلك. واختلف في هذا الكنز فقيل : كانت صحف علم مدفونة تحته (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) بيّن سبحانه انه حفظ الغلامين بصلاح أبيهما وروي عن أبي عبد الله (ع) انه كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء ، وقال (ص) ان الله ليصلح بصلاح الرجل المؤمن ولده وولد ولده ، وأهل دويرته ودويرات حوله ، فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) أي ينتهيا إلى الوقت الذي يعرفان فيه نفع أنفسهما ، وحفظ مالهما ، وهو ان يكبرا ويعقلا (وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي نعمة من ربك ، والمعنى : ان كل ما فعلته رحمة من الله تعالى ، أي رحم الله بذلك المساكين ، وأبوي الغلام ، واليتيمين (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) أي وما فعلت ذلك من قبل نفسي وإنما فعلته بأمر الله تعالى (ذلِكَ) الذي قلته لك (تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) أي ثقل عليك مشاهدته ورؤيته واستنكرته.
٨٣ ـ ٨٧ ـ ثم بيّن سبحانه قصة ذي القرنين فقال (وَيَسْئَلُونَكَ) يا محمد (عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) أي عن خبره ، وقصته : انه كان ملكا عادلا ، وروي عن علي بن أبي طالب (ع): انه كان عبدا صالحا أحب الله وأحبه الله ، وناصح الله وناصحه (قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) معناه : قل يا محمد : سأقرأ عليكم منه خبرا وقصة (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ) أي بسطنا يده في الأرض وملكناه حتى استولى عليها ، وقام بمصالحها ، وروي عن علي (ع) انه قال : سخّر الله له السحاب فحمله عليها ، ومدّ له في الأسباب ، وبسط له النور فكان الليل والنهار عليه سواء (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) أي فأعطيناه من كل شيء علما يتسبب به إلى إرادته ، ويبلغ به إلى حاجته (فَأَتْبَعَ سَبَباً) معناه : فأتبع طريقا واحدا في سلوكه (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) أي موضع غروبها ، ومعناه : انه انتهى إلى آخر العمارة من جانب المغرب ، وبلغ قوما لم يكن وراءهم أحد إلى موضع غروب الشمس ، ولم يرد بذلك انه بلغ إلى موضع الغروب لأنه لا يصل اليه أحد (وَجَدَها تَغْرُبُ) معناه : وجدها كأنها تغرب (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) وان كانت تغرب في ورائها لأن الشمس لا تزايل الفلك ولا تدخل عين الماء ، ولأنه قال : (وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) ، ولكن لما بلغ ذو القرنين ذلك الموضع تراءى له كأن الشمس تغرب في عين ، كما ان من كان في البحر رآها كأنها تغرب في الماء ، ومن كان في البر يراها كأنها تغرب في الأرض الملساء ، والعين الحمئة : هي ذات الحمأة وهي الطين الأسود المنتن ، والحامية : الحارة (وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) معناه : ووجد عند