وكان حتّى ذلك الحين من جلساء ابن زياد ومشاوريه ، وكان عند ابن زياد لما قرأ كتاب ابن سعد وقال : هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على قومه (من القتال) نعم قد قبلت!
فقام إليه شمر وقال له : أتقبل هذا منه؟! وقد نزل بأرضك إلى جنبك! والله لئن لم يضع يده في يدك ورحل من بلدك ليكوننّ أولى بالقوة والعزّة! ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز! فلا تعط هذه المنزلة! فإنّها من الوهن! ولكن ينزل على حكمك هو وأصحابه ، فإن عاقبت فأنت وليّ العقوبة! وإن غفرت كان لك ذلك! والله لقد بلغني أنّ حسينا وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدّثان عامّة الليل! فأثّر ذلك في ابن زياد حتّى عطف رأيه إلى رأي شمر وقال له : نعم ما رأيت ، الرأي رأيك (١)! وكأنه سأله : هل هو مستعدّ لتنفيذ ذلك في الحسين عليهالسلام؟ فقال : نعم.
فبدل أن يكتب إلى ابن سعد بقبوله بما كتب إليه ، كتب إليه بأشدّ القول : أمّا بعد ، فإنّي لم أبعثك إلى حسين لتكفّ عنه ، ولا لتطاوله ، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء ، ولا لتقعد له شافعا عندي ... انظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إليّ سلما! وإن أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم ، ومثّل بهم! فإنّهم لذلك مستحقّون! وإن قتل حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره! فإنّه عاقّ شاقّ! قاطع ظلوم! وليس دهري في هذا أن يضرّ شيئا بعد الموت ؛ ولكن عليّ قول : لو قد قتلته فعلت به هذا! فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع! وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا! وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنّا قد أمرناه بأمرنا! والسلام (٢) فأفاد من عامل المسابقة بينهما في طاعته وجزائه!
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤١٤ عن أبي مخنف ، وليس في الإرشاد!
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤١٥ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ٨٨.