أيّها الناس! إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض.
فقال له قيس الكندي : أو لا تنزل على حكم بني عمّك! فإنّهم لن يروك إلّا ما تحبّ! ولن يصل إليك منهم مكروه!
وكان الإمام عليهالسلام يعرفه وقد بلغه قول أخيه محمّد مثل هذا القول لمسلم بن عقيل ، فقال له : أنت أخو أخيك (محمد) أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟! لا والله ، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد (١)!
عباد الله! (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ)(٢) ، أعوذ (بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ)(٣).
ثمّ انصرف عنهم وأناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان أن يعقل الناقة فعقلها (٤).
وبهذا الكلام أتمّ الإمام عليهالسلام حجّته عليهم أنّه لا يقرّ لهم كإقرار العبيد ولا يعطيهم إعطاء الذليل لمن هو متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب! وإنّما أجاب دعوتهم ، فليتركوه ليرجع عنهم إلى موضع يأمن فيه ، فهو يطالب بالأمان منهم دون الإخلال بأمنهم. أجل يقول هذا ـ إتماما للحجّة ـ وهو يعلم أنّهم لا يتركونه بأمان ، فقد أخبر وأخبر بذلك كما مرّ.
__________________
(١) كذا في الطبري عن الكلبي عن أبي مخنف عن الضحاك المشرقي الهمداني الذي انفلت من أصحاب الإمام عليهالسلام ، ولكن في الإرشاد ٢ : ٩٨ : لا أفر فرار العبيد. وهو جواب الإمام لابن الأشعث وهو لم يعرض الفرار على الإمام وإنّما النزول على حكمهم ، فإنّما يناسبه : لا أقرّ ، وليس : لا أفرّ.
(٢) الدخان : ٢٠.
(٣) المؤمن : ٢٧.
(٤) تاريخ الطبري ٥ : ٤٢٤ ـ ٤٢٥ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ٩٨.