كان ابن الزبير يظهر أنّه عائذ بالبيت ويبايع الناس سرّا ، فلمّا قتل الحسين عليهالسلام قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على محمّد صلىاللهعليهوآله ثمّ قال : إنّ أهل العراق غدر فجر إلّا قليلا ، وإنّ أهل الكوفة شرار أهل العراق ؛ فإنّهم دعوا حسينا لينصروه ويولّوه عليهم ، فلمّا قدم عليهم ثاروا إليه وقالوا له : إمّا أن تضع يدك في أيدينا فنبعث بك إلى ابن زياد بن سمية سلما فيمضي فيك حكمه ؛ وإمّا أن تحارب! فرأى أنّه هو وأصحابه قليل في كثير ... ولكنّه اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة. فرحم الله حسينا ، وأخزى قاتل حسين!
ثمّ قال : أفبعد الحسين نطمئن إلى هؤلاء القوم ونصدّق قولهم ونقبل لهم عهدا؟! لا ولا نراهم أهلا لذلك! أما والله لقد قتلوه طويلا بالليل قيامه كثيرا في النهار صيامه ، أحقّ بما هم فيه منهم وأولى به ، في الدين والفضل! أما والله ما كان يبدّل بالقرآن الغناء! ولا بالبكاء من خشية الله الحداء! ولا بالصيام شرب الحرام! ولا بالمجالس في حلق الذكر الرّكض في تطلاب الصيد! فسوف يلقون غيّا! يعرّض بيزيد.
وثار إليه أصحابه وقالوا له : أيّها الرجل ؛ إذ هلك حسين فإنّه لم يبق أحد ينازعك هذا الأمر! فأظهر بيعتك! فقال لهم : لا تعجلوا.
ولما استقرّ عند يزيد ما جمع ابن الزبير حوله بمكّة ، عاهد الله ليوثقنّه في سلسلة ، ثمّ أعدّ سلسلة من فضة وبرنس خزّ ودعا ابن عضاه الأشعري ومسعدة ومعهما جمع وأرسلهم إليه ليأتوا به إليه في جامعة فضة ليبرّ يمينه ، فمرّوا بالمدينة فبعث معهم مروان بابنيه عبد الملك وعبد العزيز ، فردّهم ردّا رفيقا (١).
وقال اليعقوبي : إنّ ابن الزبير أجاب ابن عضاه الأشعري بجواب غليظ! فقال له ابن عضاه : إنّ الحسين بن عليّ كان أجلّ قدرا في الإسلام وأهله من قبل
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٧٤ ـ ٤٧٧ عن أبي مخنف.