ولا أظنّه يكتب إلى أحد من قريش بأن «أرشدك الله أمرك وغفر ذنبك» فأنا أرجو أن يكفّ الله شرّه عنك.
فسار ابن الحنفية (ببنيه) حتّى قدم الشام على يزيد ، فلمّا استأذن أذن له وقرّبه وأدناه حتّى أجلسه معه على سريره ، ثمّ أقبل عليه بوجهه وقال له : يا أبا القاسم ؛ آجرك الله وإيّاك في أبي عبد الله الحسين! فو الله لئن كان أوجعك فقد أوجعني! ولو كنت أنا المتولّي لحربه لما قتلته بل لدفعت القتل عنه ولو بجزّ أصابعي وذهاب بصري! ولفديته بجميع ما ملكت يدي! وإن كان نازعني حقّي وقطع رحمي وظلمني! ولكن عبيد الله بن زياد لم يعلم رأيي فيه من ذلك فعجّل عليه وقتله ولم يستدرك ما فات! وبعد فإنّه لم يكن يجب (يجوز!) على أخيك أن ينازعنا في أمر خصّنا الله به دون غيرنا! وليس يجب علينا أن نرضى بالدنيّة في حقّنا! وعزيز عليّ ما ناله! وهات ما عندك الآن يا أبا القاسم!
فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : قد سمعت كلامك ، ورحم الله حسينا وبارك الله له فيما صار إليه من ثواب ربّه والخلد الدائم الطويل في جوار الملك الجليل. وقد علمنا أنّ ما عرانا من ترح فقد عراك وأنّ ما نقصنا فقد نقصك! وكذا أظنّ أن لو شهدت ذلك بنفسك لاخترت أفضل الرأي والعمل! ولجانبت أسوأ الفعل والخطل!
والآن فإنّ حاجتي إليك أن لا تسمعني فيه ما أكره ؛ فإنّه ابن أبي وأخي وشقيقي ؛ وإن زعمت أنّه كان عدوّا لك وظالمك كما تقول!
فقال له يزيد : فإنّك لا تسمع منّي فيه إلّا خيرا ، ولكن هلمّ فبايعني! ثمّ اذكر ما عليك من الدّين حتى أقضيه لك!
فقال محمّد : أمّا البيعة فقد بايعتك! وأما ما ذكرت من أمر الدّين فما عليّ بحمد الله دين ، فإنّي من الله تبارك وتعالى في كلّ نعمة سابغة لا أقوم بشكرها!