بهم وفدا إلى يزيد (١) وزاد الخوارزمي : عبد الله بن عمر ، فأقاموا عنده أيّاما ، وقد أنزل ابن الحنفيّة في بعض منازله ، ويلتقي بهم صباحا ومساء ، وأجاز كلّ واحد منهم بخمسين ألف درهم! والمنذر بن الزبير بمئة ألف!
فلما أرادوا الانصراف استأذنه ابن الحنفية ليكون معهم ، فوصله بمئتي ألف درهم مع عروض بمئة ألف أخرى وقال له : كنت أحبّ أن لا تفارقني وتأمرني بما فيه حظّي ورشدي! والله ما احبّ أن تنصرف عنّي وأنت ذامّ لشيء من أخلاقي؟
فقال له محمّد : أمّا ما كان منك إلى الحسين عليهالسلام فذلك شيء لا يستدرك! وأمّا الآن ... فلو رأيت منك خصلة أكرهها لما وسعني السكوت دون أن أنهاك عنها واخبرك بما يحقّ لله عليك منها (وذلك) للذي أخذ الله تبارك وتعالى على العلماء في علمهم أن يبيّنوه للناس ولا يكتموه ... فأنا أنهاك عن شرب هذا المسكر! فإنّه رجس من عمل الشيطان! وليس من ولي أمور الأمة ودعي له بالخلافة فوق المنابر على رؤوس الأشهاد كغيره من الناس! فاتّق الله في نفسك ، وتدارك ما سلف من ذنبك!
فقال له يزيد : فإنّي قابل منك ما أمرتني به! ثمّ ودّعه وخرج معهم إلى المدينة ففرّق كلّ ذلك المال في الرجال والنساء والذريّة والموالي من بني هاشم وقريش ، ثمّ خرج إلى مكّة مجاورا (٢) محاذرا أمرهم.
وزاد الطبري قال : ولمّا عاد الوفد إلى المدينة قالوا لهم : إنّا قدمنا من عند رجل لا دين له ، يشرب الخمر ويعزف بالطنابير ويضرب عنده القيان ، ويلعب بالكلاب ، ويسامر الخرّاب والفتيان! فنحن نشهدكم أنّا قد خلعناه!
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٧٩ ـ ٤٨٠ عن أبي مخنف.
(٢) مقتل الخوارزمي ٢ : ٨١ ـ ٨٢.