مدخلا ، والناس متلبّسون السلاح قد قاموا على أفواه الخنادق ، فجعل أهل الشام يطوفون بها والناس يرمونهم بالنبل والحجارة من فوق الآكام والبيوت حتّى جرحوا منهم وفي خيلهم.
فخرج مروان إلى رجل من بني حارثة في ضيعته فقال له : افتح لنا طريقا وأنا اكتب بذلك إلى أمير المؤمنين (يزيد) وأضمن لك عنه شطر ما كان بذل لأهل المدينة من العطاء وتضعيفه. فرغب فيما بذل له وقبل ما ضمن له عن يزيد ، وفتح له طريقا ، فاقتحمت الخيل المدينة (١) ولذا كان بنو حارثة آمنين ما قتل أحد منهم ، وكان قصرهم أمانا لمن أراد أهل الشام أن يؤمّنوه ، وكلّ من نادى باسم الأمان لأحدهم أمّنوه ثمّ ذبّوا عنه حتّى يبلّغوه قصر بني حارثة ، فاجير يومئذ رجال كثير ونساء ، لم يزالوا في قصرهم حتّى انقضت الثلاث (٢).
وكان ابن حنظلة في ناحية الطورين لمّا جاءه خبر دخولهم المدينة ، فأقبل إليهم ، وكان عبد الله بن مطيع العدوي في ناحية ذناب فأقبل إليهم ، فاجتمعوا بمن معهم حيث اقتحم عليهم أهل الشام ، فاقتتلوا حتّى عاينوا الموت ؛ والنساء والصبيان يصيحون ويبكون على قتلاهم.
وجعل مسلم المرّي ينادي : من جاء برأس رجل فله كذا وكذا يغري بهم قوما لا دين لهم ، حتّى جاءهم ما لا طاقة لهم به ، وظهروا على أكثر المدينة.
وكان على بشر بن حنظلة الغسيل درعان ، فلمّا هزم القوم طرحهما ثمّ جعل يقاتلهم حاسرا حتّى ضربه شاميّ بسيفه على منكبه فوقع قتيلا. فلمّا قتل ابن حنظلة الأمير صار أهل المدينة كالنعم شرودا بلا راع يقتلهم الشاميون في كلّ وجه.
__________________
(١) الإمامة والسياسة ١ : ٢١١ ، وأشار إليه خليفة : ١٤٩ ، واليعقوبي ٢ : ٢٥٠.
(٢) الإمامة والسياسة ١ : ٢١٣.