الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السرج. ولقد فضّلت حتّى أفرطت واستأثرت حتّى أجحفت ، ومنعت حتّى محلت ، وجزت حتّى جاوزت ، ما بذلت لذي حقّ من اسم حقه بنصيب ، حتّى أخذ الشيطان حظه الأوفر ونصيبه الأكمل!
وفهمت ما ذكرت عن «يزيد» كأنّك تصف محجوبا أو تنعت غائبا! أو تخبر عما كان ممّا احتويته بعلم خاص! وقد دلّ «يزيد» من نفسه على موقع رأيه! فخذ «ليزيد» فيما أخذ فيه من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش ، والحمام السّبق لأترابهنّ ؛ والقيان ذوات المعازف وضرب الملاهي! تجده باصرا ، ودع عنك ما تحاول ، فما أغناك أن تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه ، فو الله ما برحت تقدح باطلا في جور وحنقا في ظلم ، حتّى ملأت الأسقية! وما بينك وبين الموت إلّا غمضة! فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود ، ولات حين مناص!
ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الأمر ومنعتنا عن آبائنا تراثا ورّثناه الرسول ولادة ، وجئت لنا بما حاججتم به القائم عند موت الرسول (من الأنصار) فأذعن للحجّة بذلك وردّه الإيمان إلى الإنصاف ، فركبتم الأعاليل وفعلتم الأفاعيل وقلتم كان ويكون ، حتى أتاك الأمر ـ يا معاوية ـ من طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا أولي الأبصار!
وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله صلىاللهعليهوآله وتأميره له. وقد كان ذلك لعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبته الرسول وبيعته له ، وما صار لعمر الله مبعثهم يومئذ حتّى أنف القوم إمرته وكرهوا تقديمه وعدّوا عليه أفعاله فقال صلىاللهعليهوآله : «لا جرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري» فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الأحكام وأولاها بالمجمع عليه من الصواب (الخلافة؟!) أم كيف قارنت بصاحب تابعا وحولك من لا يؤمن في صحبته