واجترأ أهل المدينة والحجاز على جند الشام وهم ذلّوا حتّى كان لا ينفرد رجل منهم إلّا أخذوا بلجام دابته ونكسوه عنها! فكانوا يجتمعون ولا يفترقون خوفا. وخاف بنو اميّة فقالوا لهم : لا تبرحوا حتّى تحملونا معكم إلى الشام ، ففعلوا ، ومضوا حتّى بلغوا الشام ، وقد أوصى يزيد بالبيعة لابنه معاوية (١).
وفي اليعقوبي : توفي يزيد بموضع يقال له حوّارين (من بلاد حمص) وحمل إلى دمشق وصلّى عليه ابنه معاوية بن يزيد (وله عشرون سنة) وله ثلاثة إخوة : خالد وأبو سفيان وعبد الله. وبلغ الخبر إلى مكّة وذاع في العسكر فانكسرت شوكتهم ، وأرسل الحصين بن نمير إلى ابن الزبير أن نلتقي الليلة على الأمان. فالتقيا. فقال له الحصين : إنّ يزيد قد مات وابنه صبيّ ، فهل لك أن أحملك إلى الشام فليس به أحد! فابايع لك فليس يختلف عليك اثنان؟!
فرفع ابن الزبير صوته : لا والذي لا إله إلّا هو ، أو نقتل بقتلى الحرّة أمثالهم من أهل الشام! فقال له الحصين : من زعم أنّك داهية فهو أحمق! أقول لك ما هو لك سرّا ؛ وتقول لي ما هو عليك علانية! ثمّ انصرف (٢) بجنوده نحو المدينة ثمّ الشام.
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٥٠٢ ـ ٥٠٣ عن الكلبي عن عوانة. وجاء في الإمامة والسياسة : حتّى إذا كان بعسفان تفرّقوا .. وانصرف الجيش إلى الشام مفلولا ، وأصاب منهم أهل المدينة حين مرّوا بهم ناسا كثيرا فحبسوهم بالمدينة حتّى قدم عليهم مصعب بن الزبير فأخرجهم إلى الحرّة فضرب أعناقهم وهم أربعمئة وأكثر! الإمامة والسياسة ٢ : ١٢ منفردا به.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ وقال : كان سعيد بن المسيّب يسمّي سنيّ يزيد بن معاوية بالشؤم : ففي السنة الأولى قتل الحسين بن علي وأهل بيت رسول الله! وفي الثانية : استبيح حرم رسول الله وانتهكت حرمة المدينة! وفي الثالثة : سفكت الدماء في حرم الله وحرّقت الكعبة. هذا ، وقد لفّق الواقدي على أبي جعفر الباقر عليهالسلام أنّه قال : أوّل من كسى الكعبة الديباج يزيد بن معاوية! كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٥٠ ، وانظر عن ابن عساكر قبله عجبا.