فلما قرأها ابن الزبير قام يناديهم : يا أهل الشام! يا مستحلّي حرم الله! يا محرقي بيت الله! علامّ تقاتلون وقد مات طاغيتكم يزيد بن معاوية (١)؟!
ووافق هذا الخبر سائر الأخبار في سبق خبر موت يزيد إلى ابن الزبير دون ابن النمير بلا ذكر كيفية وصوله إليه. وإنّما جاء في خبر عوانة : أنّه أخذ يناديهم :
علام تقاتلون وقد هلك طاغيتكم؟! وهم لا يصدّقونه. وكان لابن النمير مصاهرة مع ثابت بن قيس النخعي الهمداني الكوفي ، وكان يلتقي به عند معاوية ، فقدم هذا من الكوفة إلى مكّة فأخبره بهلاك يزيد ، فصدّقه.
ثمّ بعث ابن النمير إلى ابن الزبير قال له : موعد ما بيننا وبينك الليلة الأبطح. فالتقيا ، فقال له الحصين : إن يك هذا الرجل قد هلك فأنت أحقّ الناس بهذا الأمر! فهلمّ فلنبايعك ثمّ اخرج معي إلى الشام ، فإنّ هذا الجند الذين معي هم وجوه أهل الشام وفرسانهم ، فو الله لا يختلف عليك اثنان ، وتؤمن الناس ، وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك والتي كانت بيننا وبين أهل الحرّة.
فقال ابن الزبير : أنا اهدر تلك الدماء! أما والله لا أرضى أن أقتل بكلّ رجل منهم عشرة! وأخذ الحصين يكلّمه سرّا وهو يجهر جهرا : لا والله لا أفعل! فقال له الحصين : قبّح الله من يعدّك بعد هذه داهيا أو أديبا ، قد كنت أظنّ أنّ لك رأيا ، ألا أراني اكلّمك سرّا وتكلّمني جهرا وأدعوك إلى الخلافة وتعدني القتل والهلكة!
ثمّ قام وانصرف إلى جمعه ... وأقبل بهم نحو المدينة وهو يقول : من أين نجد هنا علفا لدوابّنا؟! فاستقبله عليّ بن الحسين عليهالسلام ومعه شعير وعلف رطب ، فسلّم على الحصين وقال له : هذا علف عندنا فاعلف منه دابّتك! ثمّ أمر له بما كان من علف معه وعنده!
__________________
(١) الإمامة والسياسة ٢ : ١٤ ـ ١٥.