وبعد عودة جنود ابن النمير عن مكّة وقد هدموا أطراف الكعبة ، بعدهم بشهرين في شهر جمادى الآخرة سنة (٦٤ ه) هدم ابن الزبير الكعبة حتّى ألصقها بالأرض. وكان الحجر الأسود لما أصابه الحريق تصدّع بثلاث قطع ، فشدّها ابن الزبير بالفضة وجعلها في داره.
فقال له ابن عباس : اضرب حوالي الكعبة الخشب لا يبقى الناس بغير قبلة! ثمّ خرج هو من مكّة إعظاما للمقام بها! وفعل ابن الزبير ما قال له.
فلمّا بلغ ابن الزبير بالهدم إلى قواعد إبراهيم أدخل الحجر في البناء ورفعه.
وروى عن خالته عائشة زوج النبيّ أنها قالت : قال لي رسول الله : يا عائشة إن بدا لقومك أن يهدموا الكعبة ثمّ يبنوها فليصيّروا لها بابين ولا يرفعوها عن الأرض. وكان لباب الكعبة الأول مصراع واحد ، فجعل ابن الزبير لها بابين من الأرض شرقيا وغربيا بمصراعين بطول إحدى عشرة ذراعا ، وكان ارتفاع الكعبة ثماني عشرة ذراعا فجعلها تسعا وعشرين ذراعا! وكساها كسوة قباطية (مصرية سوداء) ودهّن داخلها بالخلوق والطيب. وأمر أن يحفر في الأحجار موضع الحجر الأسود ، وأراد قطع النزاع فأمر ابنه عبّادا أن يأتي بالحجر ظهرا إذا صلّى بالناس فيضعه في موضعه. ثمّ صلّى بالناس وكان يوما شديد الحرّ ، فجاء عبّاد بالحجر وشقّ الصفوف حتّى صار إلى موضع الحجر ، وطوّل ابن الزبير صلاته حتّى وضعه ثمّ وقف على رأس أبيه وكبّر ، فسلّم ابن الزبير! فلمّا رأت قريش ذلك غضبت وقالت : والله اهكذا فعل رسول الله! ولقد حكّمته قريش فجعل لكلّ القبائل نصيبا (١).
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٦٠ وفيه كما مرّ نسب البابين من الأرض إلى خالته عائشة عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٥٣ ت : نسب إدخال سنة أذرع من الحجر إلى ذلك ، وقال : وهو الخليفة ، ومروان باغ عليه ، كما قاله الذهبي.