وابن «الفاروق» ودعا له بدابة فركبها. ثمّ طلع ابن الزبير فقال له : مرحبا وأهلا بابن حواريّ رسول الله وابن عمّة رسول الله وابن الصديق (من أمه أسماء) ثمّ دعا له بدابة فركبها ، فلم يزل يسايرهم حتّى دخل مكة : فقضى طوافه وارتحل إلى منزله بذي طوى فنزله ، حتّى قضى نسكه وترحلت أثقاله وقرب مسيره إلى الكعبة وأنيخت رواحله ، لم يعرض لهم بشيء مما هو فيه من بيعة يزيد. ثمّ خرج آذنه إليهم فأذن لهم فتوافقوا على أن يتكلّم عنهم ابن الزبير ثمّ دخلوا.
فتكلم معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال لهم : قد علمتم سيرتي فيكم وصلتي لأرحامكم وصفحي عنكم وتحملي لما يكون منكم ، «ويزيد» ابن أمير المؤمنين أخوكم وابن عمّكم! وأحسن الناس فيكم رأيا ، وإنما أردت أن تقدّموه باسم الخلافة وتكونون أنتم الذين تنزعون وتؤمّرون وتجبون وتقسمون! لا يدخل عليكم في شيء من ذلك! ثمّ سكت وسكتوا فقال : أجيبوني! فسكتوا! فقال : ألا تجيبوني؟!
فخيره ابن الزبير أن يختار الأخذ بسيرة أبي بكر أو عمر. فقال : فهل عندك غير هذا؟ قال : لا ، قال : فأنتم؟ قالوا : لا. فقال : أمّا لا ، فإني أحببت أن أتقدّم إليكم أنّه : قد أعذر من أنذر! وإنه قد كان يقوم القائم منكم إليّ فيكذّبني على رؤوس الناس فأحتمل له ذلك وأصفح عنه! وإنّي قائم اليوم بمقالة إن صدقت فلي صدقي وإن كذبت فعليّ كذبي! وإنّي أقسم بالله لئن ردّ أحد منكم عليّ كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمته حتى يسبق إليّ رأسه! فلا يرعينّ رجل إلّا على نفسه!
ثمّ دعا صاحب حرسه فقال له : أقم على رأس كل رجل من هؤلاء من حرسك رجلين ، فإن ذهب رجل يردّ عليّ في مقامي هذا بكلمة بصدق أو كذب فليضرباه بسيفهما (١)!
__________________
(١) تاريخ ابن الخيّاط : ١٣٢ و ١٣٣.