تجارا وللآخرة تجّارا ؛ فأمّا تاجر الآخرة فساع إليها متنصّب (متعب) بتطلابها ، لا يشتري بها ثمنا ، لا يرى إلّا قائما وقاعدا وراكعا وساجدا ، لا يطلب ذهبا ولا فضّة ولا دنيا ولا لذّة. وأمّا تاجر الدنيا ، فمكبّ عليها راتع فيها لا يبتغي بها بدلا.
فعليكم ـ يرحمكم الله ـ في وجهكم هذا بطول الصلاة في جوف الليل ، وبذكر الله كثيرا على كلّ حال ، وتقرّبوا إلى الله بكلّ خير قدرتم عليه ، حتّى تلقوا هذا العدوّ والمحلّ «القاسط» فتجاهدوه ؛ فلن تتوسّلوا إلى ربّكم بشيء هو أعظم عنده ثوابا من الجهاد والصلاة ، فإنّ الجهاد سنام العمل.
جعلنا الله وإيّاكم من العباد الصالحين المجاهدين ، الصابرين على اللأواء.
وإنّا مدلجون الليلة من منزلنا هذا إن شاء الله ، فادلجوا.
وفي عشيّة الجمعة لخمس مضين من شهر ربيع الآخر سنة (٦٥ ه) دعا سليمان : حكيم بن منقذ أن ينادي في الناس بالرحيل وأن لا يبيتنّ أحد حتّى نبلغ دير الأعور ، فنادى بذلك وارتحل أكثر من معه وتخلّف كثير منهم! وباتوا بدير الأعور ، متّجهين إلى كربلاء في طريقهم إلى الشام.
ثمّ سار حتّى نزل منزل أقساس مالك على شاطئ الفرات ، وهناك استعرضهم ، فتبيّن تخلّف نحو ألف رجل! فقال سليمان لهم : ما احبّ أن كان معكم من تخلّف عنكم و (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً)(١) و (كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ)(٢) وخصّكم بفضله فاحمدوا ربّكم.
وخرجوا من منزل أقساس مساء فأصبحوا في كربلاء (٣).
__________________
(١) التوبة : ٤٧.
(٢) التوبة : ٤٦.
(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٥٨٨ ، ٥٨٩ عن أبي مخنف.