فأجابه سليمان : قد أرادنا أهل مصرنا (الكوفة) لمثل ما أردت وذكروا مثل ما ذكرت ، وبعد ما فصلنا كتبوا به إلينا فلم يوافقنا ، فلسنا فاعلين!
فقال زفر : فاقبلوا ما اشير به عليكم : إنّ القوم قد فصلوا من الرّقة فبادروهم إلى مدينة عين الوردة فاجعلوها في ظهوركم ويكون الماء والرستاق (١) في أيديكم ، وأنتم آمنون ممّا بين مدينتكم ومدينتنا! فاطووا المنازل الساعة إلى عين الوردة ، فإنّ القوم يسيرون سير العساكر ، فتأهّبوا لها من يومكم هذا وإنّي أرجو أن تسبقوهم إليها ؛ وإن بدرتم إلى عين الوردة فلا تقاتلوهم في فضاء ، فإنّهم أكثر منكم ، فلا آمن أن يحيطوا بكم فلا تقفوا لهم فإنّه ليس لكم مثل عددهم ، فإن استهدفتم لهم لم يلبثوا أن يصرعوكم ، ولا تصفّوا لهم حين تلقونهم ، فإنّي لا أرى معكم رجّالة بل كلّكم فرسان ، وهم بالرجال والفرسان ، فالفرسان تحمي رجالها والرجال تحمي فرسانها ، وأنتم ليس لكم رجال تحمي فرسانكم ، فالقوهم في الكتائب والمقانب ، بثوها ما بين ميمنتهم وميسرتهم ، واجعلوا مع كلّ كتيبة كتيبة إلى جانبها ، فإن حمل على إحدى الكتيبتين ترجّلت الأخرى فنفّست عنها الخيل والرجال ، ومتى ما شاءت كتيبة ارتفعت ، ومتى ما شاءت انحطّت. ولو كنتم في صفّ واحد فزحفت إليكم الرجال فدفعتم عن الصفّ انتقض فكانت الهزيمة!
فقال له سليمان : نعم المنزول به أنت! أكرمت النزول وأحسنت الضيافة ونصحت في المشورة ؛ وأثنوا عليه كثيرا ودعوا له فوقف وودّعهم.
ثمّ جدّوا في المسير حتّى جعلوا كل مرحلتين مرحلة واحدة يمرّون بالمدن مرورا حتّى بلغوا بلدة ساعا ، فنزل سليمان بها وعبّأ كتائبه كما أمره زفر ، ثمّ ارتحل حتّى بلغ عين الوردة سابقا القوم إليها فنزل في غربيّها ، فاطمأنّوا
__________________
(١) معرّب روستا : القرية.