ثمّ خرج من الكوفة وخرج المختار والناس يشايعونه إلى دير أبي موسى ثمّ قال له : إذا لقيت عدوّك فلا تناظرهم وإن أمكنتك الفرصة فلا تؤخّرها ، وليكن في كلّ يوم خبرك عندي ، وإن احتجت إلى مدد فاكتب إليّ ، مع أنّي ممدّك ولو لم تستمد فإنّه أشدّ لعضدك وأعزّ لجندك وأرعب لعدوّك. فقال يزيد : لا تمدّني إلّا بدعائك فكفى به مددا! وقال للناس : ايم الله لئن لقيتهم ففاتني النصر فإنّه لا تفتني الشهادة إن شاء الله ، فاسألوا الله لي الشهادة!
وكتب المختار إلى عبد الرحمن بن سعيد : أمّا بعد فخلّ بين البلاد وبين يزيد والسلام عليك.
فخرج يزيد بالناس حتّى بات في سورا ، ثمّ غدا بهم حتّى بات بالمدائن فشكا إليه بعض من معه شدّة سيره فأقام بالمدائن يوما وليلة اخرى (ثالثة) ثمّ خرج بهم إلى أرض جوخى ثمّ إلى الراذانات ثمّ إلى أرض الموصل فنزل إلى قرية بنات تلى ، فبلغ خبره ابن زياد وأخبرته عيونه أنّ معه ثلاثة آلاف ، فقال ابن زياد : فأنا أبعث إلى كلّ ألف ألفين ، ثمّ دعا ربيعة بن المخارق الغنوي فبعثه في ثلاثة آلاف أوّلا ، ثمّ مكث يوما ثمّ بعث خلفه عبد الله بن حملة الخثعمي في ثلاثة آلاف ، وسبقه ربيعة إلى قرية بنات تلى.
وأصبح يزيد بن أنس الأسدي مريضا ، فجعل ورقاء بن عازب الأسدي على الخيل ، وعبد الله بن ضمرة العذري على ميمنته ، وسعرا الحنفي على ميسرته ، ثمّ أمرهم أن يحملوه على حمار ويمسكونه من جنبيه فجعل يقف على الأرباع ويقول لهم : يا شرطة الله اصبروا تؤجروا ، وصابروا عدوّكم تظفروا ، وقاتلوا (أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً)(١) فإن هلكت فأميركم ورقاء بن
__________________
(١) النساء : ٧٦.