الخيلان في أوّل النهار ثمّ انصرفوا لصلاة الزوال ، ثمّ خرجوا فهزم الكوفيّون الشاميّين هزيمة قبيحة وقتلوا منهم قتلا ذريعا. ونزل ابن حملة الخثعمي ينادي أصحابه ، فحمل عليه رجل من خثعم الكوفة فقتله ، وحووا معسكرهم وما فيه ، وأسروا منهم ثلاثمئة أسير ، أتوا بهم إلى يزيد الأسدي وهو في مقدّمات السكرات فأخذ يومي بقتلهم فقتلوهم كلّهم ، ثمّ ما أمسى حتّى مات ، فصلّى عليه ورقاء الأسدي ودفنه.
ثمّ إنّ ورقاء الأسدي دعا رؤوس الأرباع وفرسان أصحابه فقال لهم : يا هؤلاء! إنّما أنا رجل منكم ولست بأفضلكم رأيا ، فأشيروا عليّ ؛ فإنّ ابن زياد قد جاءكم في جند أهل الشام الأعظم! إنّه قد بلغني أنّه قد أقبل إلينا في ثمانين ألفا من أهل الشام ، وبجلّتهم وفرسانهم وأشرافهم ، ولا أرى لنا ولكم بهم طاقة على هذه الحال ، وقد مات أميرنا يزيد بن أنس وتفرّقت عنا طائفة منّا! فلو انصرفنا اليوم من تلقاء أنفسنا قبل أن نلقاهم وقبل أن نبلغهم ، فيعلموا أنّا إنّما ردّنا عنهم هلاك صاحبنا فلا يزالوا لنا هائبين ... وإنّا إن لقيناهم اليوم كنّا مخاطرين ، فإن هزمنا اليوم لم تكن تنفعنا هزيمتنا إيّاهم قبل اليوم! فقالوا : نعم ما رأيت ، انصرف رحمك الله ، فقرّر الانصراف بهم ، وانصرفوا.
وترامت الأخبار بانصرافهم إلى إسحاق بن مسعود عامل المختار على المدائن وجوخى ، وكان له عين من أنباط السواد فأرسله بخبرهم إلى المختار ، فدعا المختار إبراهيم بن الأشتر وعقد له على سبعة آلاف رجل وقال له : سر حتّى تلقى جيش ابن أنس الأسدي فارددهم معك حتّى تلقى عدوّك فتناجزهم القتال (١) فأخذ إبراهيم يتجهّز لذلك ، في أواخر سنة ست وستين.
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ : ٤٢ ـ ٤٣ عن أبي مخنف.