فأصابهم جهد شديد فكانوا يعطون على القربة الدينار والدينارين ، وربّما خرج المختار بجمع من أصحابه فيقاتلون قتالا ضعيفا لا نكاية له ، فكانوا يصبّون عليهم الماء القذر والحجارة من فوق البيوت! وأحيانا كان يخرج بعض نسائهم إليهم وقد التحفت على ماء وطعام وكأنّها تريد المسجد للصلاة أو تأتي أهلها أو تزور ذات قرابة لها فإذا دنت من القصر دخلته لزوجها أو لحميمها بطعام وشراب.
وكان إذا اشتدّ عليهم العطش في قصرهم استقوا من البئر في القصر وأمر بصبّ عسل فيه ليغيّر طعمه فيشربوا منه ، فكان أكثرهم يرتوي منه.
ثمّ أمر مصعب ليقتربوا من القصر ، فنزل عبّاد الحبطي التميمي عند مسجد جهينة حتّى مسجد بني مخزوم فمنع النساء من الوصول إلى القصر. وبعث مصعب زحر بن قيس فنزل عند الحدّادين وباعة الدوّاب! وبعث عبيد الله بن الحر فنزل عند دار بلال ، وبعث حوشب بن يزيد فوقف في فم سكّة من زقاق البصريين ، ونزل المهلّب الأزدي في (چهار سوق ـ مفترق طرق) خنيس ، وجاء عبد الرحمان بن مخنف إلى دار السقاية ، وبادر شباب من الكوفة والبصرة إلى السوق.
ثمّ أقبل هؤلاء الأمراء والرؤوس من كلّ جانب ، فلم يكن لأصحاب المختار طاقة عليهم فدخلوا القصر واشتدّ عليهم الحصار ، فكان المختار يقول لهم : انزلوا بنا فلنقاتل. فلا يقبلون ضعفا وعجزا ، فكان يقول : أمّا أنا فو الله لا أعطي بيدي ولا احكّمهم في نفسي.
وكان عبد الله بن جعدة بن هبيرة المخزومي مع المختار فلمّا رأى ذلك تدلّى بحبل من القصر حتّى اختبأ عند إخوانه.
وكان معه السائب بن مالك الأشعري صهر أبي موسى الأشعري ومعه ابنه محمّد صبيّ أو مراهق ، فلمّا أراد المختار الخروج من القصر للقتال قال له :