إن يأخذ الله من عينيّ نورهما |
|
ففي لساني وقلبي منهما نور |
ومصعب لما عاد من باجميرا إلى البصرة وأعاد المياه إلى مجاريها ، رجع إلى باجميرا ، فيبدو أنّ ذلك بلغ عبد الملك بدمشق فخلّف عليها ابن عمّته الأشدق وسار إلى زفر بن الحارث الكلابي في قرقيسيا وبلاد الرحبة.
قال المسعودي : فبلغه أنّ عمرا بدمشق قد دعا الناس إلى بيعته ، فكرّ راجعا إليها ، فامتنع عمرو فيها ، وصارت فيما بينه وبين عبد الملك محادثات ومكاتبات وخطب طويل طلبا للملك ، وكان ممّا كتب إليه عبد الملك : استدراج النعم إيّاك أفادك البغي ، ورائحة الغدر أورثتك الغفلة ، زجرت عمّا وافقت عليه ، وندبت إلى ما تركت سبيله ، ولو كان ضعف الأسباب يؤيّس الطالب لما انتقل سلطان ولا ذلّ عزيز! وعن قريب يتبيّن من صريع بغي وأسير غفلة!
وناشده عبد الملك الرحم بينهم وقال له : لا تفسد أمر أهل بيتك وما هم عليه من اجتماع الكلمة ، وفي ما صنعت قوّة لابن الزبير! إرجع إلى بيتك فإنّي سأجعل لك العهد! فرضى وصالح (١).
وجرى بينهم السفراء حتّى اصطلحا وتعاقدا وكتبا بينهما كتابا بالعهود والمواثيق والأيمان على أن لعمرو بن سعيد الخلافة بعد عبد الملك ، ودخل عبد الملك دمشق (٢).
وبقي عمرو متحيّزا في خمسمئة فارس يزولون معه حيث زال.
فقال عبد الملك يوما لحاجبه : ويحك! أتستطيع إذا دخل عمرو أن تغلق الباب دون أصحابه؟ قال : نعم. وكان مروان قد ترك ابنه عبد العزيز على مصر
__________________
(١) مروج الذهب ٣ : ١٠٢.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٧٠.