وأمّا ما ذكرت من أنّك خير لي من أخي فدع عنك أبا بكر وإيّاك وإيّاه لا تتعرّض له واتركه ما تركك! فقال عبد الملك : إنّ فيه لثلاث خصال لا يسود بها أبدا : عجب قد ملأه ، واستغناء برأيه ، وبخل قد التزمه! فلا يسود بهذه أبدا (١)!
ثمّ تخلّى عن مصعب من كان معه من مضر واليمن! وبقي في نفر يسير منهم ابنه عيسى فقال له : يا بني دعني فإنّي مقتول واركب فرسك فانج بنفسك والحق بمكّة بعمك فأخبره بما صنع بي أهل العراق! فأبى وتقدّم فقاتل حتّى قتل أمامه.
وكان علي بن عبد الله بن العباس بعد وفاة أبيه قد التحق بعبد الملك! وكان خالد بن يزيد بن معاوية صهر ابن الزبير مع عبد الملك ، وكأنّ محمّد بن مروان رقّ لمصعب ، فسأل أخاه عبد الملك أن يؤمن مصعبا ، فاستشار عبد الملك من حضره ، فأبى علي بن عبد الله ، ووافق خالد وارتفع الكلام بينهما حتّى تسابّا ، ووافق عبد الملك خالدا وأخاه محمّدا فأمره أن يمضي إلى مصعب فيؤمّنه.
فمضى محمّد حتّى وقف قريبا من مصعب ثمّ ناداه : يا مصعب ، أنا ابن عمك! محمّد بن مروان وقد أمّنك أمير المؤمنين! على نفسك ومالك وكلّ ما أحدثت ، وأن تنزل أيّ البلاد شئت ، فانشدك الله في نفسك! فأبى ، وقاتل حتّى اثخن بالجراح وعرقب فرسه فترجّل ، فأقبل عليه عبيد الله بن ظبيان البكري فضربه مصعب على رأسه وضربه عبيد الله فقتله ، واحتزّ رأسه وأتى به عبد الملك ، فسجد عبد الملك! وذلك في يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة (٧٢ ه). وأمر عبد الملك بمصعب وابنه عيسى فدفنا بدير الجاثليق (الكاثوليك) (٢).
__________________
(١) الإمامة والسياسة ٢ : ٢٨.
(٢) مروج الذهب ٣ : ١٠٧.