وكان أخوه عروة جالسا معه على سريره فقال له : يا أمير المؤمنين! قد جعل الله لك اسوة! قال : ومن هو اسوتي؟ قال : الحسن بن علي بن أبي طالب! إذ خلع نفسه وبايع معاوية! فرفع عبد الله رجله عليه وضربه حتّى ألقاه من سريره وقال : لا أقبل شيئا ممّا تقولون!
ثمّ لما أصبح اغتسل وتطيّب وتحنّط ثمّ تقلّد سيفه وخرج حتّى أسند ظهره إلى الكعبة وإنمّا معه نفر يسير (١).
وخطبهم فقال : أيّها الناس! إنّ الموت قد أظلكم سحابه ، وأحدق بكم ربابه ، فغضوا أبصاركم عن الأبارقة (السيوف) وليشغل كل امرئ قرنه ، ولا يلهينّكم التساؤل : أين أمير المؤمنين ، ألا فمن يسأل عني فإني في الرعيل الأول (٢)!
ثمّ جعل يقاتل بهم أهل الشام فيهزمهم ثمّ يلتجئ إلى البيت .. وتكاثر عليه الرجال من أهل الشام فلم يزل يضرب فيهم حتّى يخرجهم من المسجد ويعود إلى البيت ، واستلم الحجر ، ثمّ تكاثروا عليه ، وأتاه حجر فصك جبينه فأدماه ، فكشفهم عن المسجد وعاد على من بقي من أصحابه عند البيت وقال لهم :
ألقوا أغماد السيوف ، وليصن كلّ رجل منكم سيفه كما يصون وجهه ، لا ينكسر سيف أحدكم فيقعد كالمرأة! ولا يسأل أحد : أين عبد الله فإنّني في الرعيل الأوّل! وتكاثر عليه أهل الشام ألوفا من كلّ باب. فحمل عليهم ، فشدخ بالحجارة فانصرع (٣).
__________________
(١) الإمامة والسياسة ٢ : ٣٠ ـ ٣١.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٦٧.
(٣) مروج الذهب ٣ : ١١٤.